انتقائية ظالمة واصلاح استعراضي معيب , في تلك الجملة وحسب وجهة نظري افضل اختصار المشهد البطولي لدعاة الاصلاح والذي نتج عنه محاكمة السجين محمد الذهبي ( مدير المخابرات السابق ورئيس حكومة الظل لأعوام عديدة ) بتهم عديدة منها غسيل الأموال وفي مسرحية طويلة شهد الاردنيين حلقاتها واشغلت الرأي العام انتهت بتقديم قربان سمين لآلهة العدالة الوهمية وآلهة الظل والتزييف .
وحتى لا يصار لفهم بداية المقال واعتباره دفاعاً عن احد رموز الفساد التي شغلت سيرتهم مسيرات الاصلاح ومجالس الاردنيين في بدايات الربيع العربي وليومنا هذا الا أن لعبة الانتقائية مع سبق الاصرار والترصد التي اسهمت في اختيار اسم محمد الذهبي تحديداً من بين باقي الاسماء التي تقل أهميةً عنه من حيث حساسية المنصب والوظيفة وتتفوق عليه في حجم الأموال المنهوبة يترك في ذهنية المواطن الواعي مزيداً من الاسئلة المشروعة والمنطقية حول طبيعة التصرفات ( المزعجة ) التي داوم عليها الذهبي قبل الشروع بمحاكمته بعام على الأقل ولماذا لم يتم التوسع في تحقيقات جناية غسيل الاموال لمعرفة اسماء مالكي شركات الطيران وقادة الطائرات تحديداً والشريك الجرمي في تلك الجناية وغيرها الواردة في لائحة الاتهام الموجهة للمتهم ؟؟ , وهل بالامكان التصديق بان المتهم ارتكب كل الجنايات بغير مساعدين وشركاء ومنتفعين ولصوص صغار ؟؟ وهل استطاع المتهم فتح الأرصدة وتحويل الاموال وتسييلها ومتابعة نقلها عبر مراكز الحدود وفي المطارات شخصياً مع الاحتفاظ بتواجده في مكتبه في ذات الوقت والزمن ؟؟!! , ومالذي أدى لتغريده خارج سرب المحميين وكان سبباً خاطئاً ومباشراً في جعله عبرة لمن لا يعتبر ؟؟!! , وهل تقل جناية برنامج التصحيح الاقتصادي وشركة أمنية والميناء والكهرباء واراضي البحر الميت والعقبة ومنحة النفط الكويتية عن جناية غسيل الاموال من حيث الاضرار بالأمن الاقتصادي للدولة وفقدان الثقة فيما بين المواطن و ( زلم الدولة ) التي اوصلتنا للحال المزري ؟؟! .
لو كان محمد الذهبي يعلم الغيب لاستأثر من خير السكوت والاختباء وسلك طريق الآخرين لكنها مشيئة الله واستدراجه للعابثين في مال الشعب كانت له بالمرصاد مثلما شاءت قدرته حين نزع الاردنيين لباس الخوف عنهم وطالبوا بمحاسبة جميع الارقام الصعبة والخطوط الحمراء ولكن بلا جدوى في مقابل ذلك جرى تقديم بعضاً من القرابين الصغيرة لامتصاص غضب وسخط الشارع بانتقائية معيبة وعدالة منزوعة الهيبة بهدف شراء الوقت والالتفاف على مطالب الاصلاحيين ( والجود من الموجود ) .
دخلت البلاد في العقد الاخير في عتمة المديونية وفقدان الهيبة والمليارات المنهوبة وغياهب التوريث السياسي واصبحت مرتعاً خصباً للخارجين على سيادة الشعب والقانون حتى اصبح عنوان العقد الأخير المنصرم موسوماً بالفساد المستشري في اجهزة الدولة الامنية و( الديوانية ) والتنفيذية والتشريعية على حد سواء في حين تقف جميع الاسماء المرتبطة في ادارة تلك الاجهزة موضع المتهم الرئيسي والمشبوه شعبياً لتفسير الحجم الضخم للمديونية وهدر المال العام وتطلب ذلك اجراء محاسبة حقيقية لكثير من الاسماء كجزء من مطالب الاصلاحيين بلا انتقائية تسهم في تسفيه وجهة النظر الأخرى وايراد الأبل على غير موردها .
ربما سيلحق بعض المسؤولين السابقين بركب الجويدة على أساس الانتقائية تكريساً لثقافة الفزعة والاسترضاء المنقوص المقدم للشعب كلما تصاعدت وتيرة الاحتجاجات في الشارع وكلما اتجهت الحكومة نحو رفع الدعم او الشروع في انتخابات برلمانية كما جرى مؤخراً ويبقى الوطن في تلك المعادلة هو الخاسر الأكبر .