أول وكالة اخبارية خاصة انطلقت في الأردن

تواصل بلا حدود

أخر الأخبار
طقس لطيف نهاراً وبارد ليلاً مع احتمالية لأمطار متفرقة في المناطق الغربية آثار سلبية محتملة على سوق العمل بعد وقف إعفاءات السوريين فريق مكافحة الإرهاب المائي يحصد لقب “المحارب المائي” في ختام منافسات الكتيبة الخاصة/71 عشيرة أبو سنيمة تنشر صور أبنائها الذين قتلوا أبو شباب - بيان (خضرجي) يقتل أجيره في الأزرق .. جريمة مروعة وقعت صباح اليوم - تفاصيل تعديل المرحلة الثانية من خطة ترمب .. هل ينقذ وقف النار بغزة؟ البكار : 6 آلاف عاملة هربت من منازل الأردنيين الأردن .. القضاة: 284 ألف زائر لمهرجان الزيتون الوطني حتى الخميس يديعوت: مقتل ياسر أبو شباب بضرب مبرح من عناصر داخل عصابته الاستراتيجيات الأردني يصدر تقريراً عن فرص الاستثمار في الاقتصادات الآسيوية زعيم الطائفة الدرزية في (إسرائيل) ينتقد حماية ترمب للشرع النشامى يترقبون قرعة كأس العالم 2026 في أول مشاركة تاريخية للمونديال قصف إسرائيلي على ريفي درعا والقنيطرة في سورية نقيب المقاولين: طرح الثقة بمجلس النقابة "غير قانوني" في اجتماع السبت هيئة النزاهة: استعادة 100 مليون دينار سنويا عبر التحقيقات وملاحقة قضايا الفساد الرئيس اللبناني: هدف المحادثات مع إسرائيل تجنب شبح حرب ثانية أسعار الغاز الطبيعي تصل إلى أعلى مستوياتها في ثلاث سنوات من السجن إلى الملعب .. لاعب برازيلي يخوض النهائي بسوار المراقبة ميدالية برونزية لمنتخب التايكواندو في بطولة العالم تحت 21 عاما الأرصاد العالمية: 2024 العام الأكثر حرارة في الوطن العربي
عمّان تحت المراقبة، والمواطن تحت الضغط
الصفحة الرئيسية آراء و أقلام عمّان تحت المراقبة، والمواطن تحت الضغط

عمّان تحت المراقبة، والمواطن تحت الضغط

02-11-2025 02:50 PM

في كل صباح، حين تفتح عمان عينيها على ضوء النهار، تكتشف أن المدينة لم تنم أصلًا. فالشوارع المزدحمة منذ الفجر، والصفوف الطويلة من المركبات التي تزحف ببطء السلحفاة، باتت مشهدًا يوميًا يختصر حكاية العاصمة. لا فرق اليوم بين ساعات الذروة وساعات السكون، فكل الأوقات أصبحت مزدحمة، وكل الاتجاهات مغلقة تقريبًا، حتى غدت عمان مدينة تعيش على أنين أبواق السيارات أكثر مما تعيش على أصوات الحياة.

أزمة السير في عمان لم تعد تفصيلًا يوميًا عابرًا، بل أصبحت حالة مزمنة تؤثر على نمط حياة الناس، ووقتهم، وصحتهم النفسية. الموظف يخرج من منزله قبل ساعة كاملة ليصل إلى عمله متأخرًا بخمس دقائق، والتاجر الذي كان يعتمد على حركة الزبائن يجد نفسه اليوم أسيرًا لطريق لا يتحرك، والسائق الذي يقضي نصف يومه في "الانتظار المتحرك" بات يرى في الإشارة الحمراء لحظة تأمل نادرة في خضم الفوضى.
حتى الأطفال، الذين كان صوت الباص المدرسي يعلن بداية يومهم، باتوا يعرفون أن اليوم الدراسي قد يبدأ داخل السيارة، وسط الزحمة التي لا ترحم.

فبدل أن تلتقط الكاميرا ابتسامة طفل، أصبحت تلتقط غرامة على سائقٍ فقد صبره

لكنّ المشهد لم يتوقف عند حدود الازدحام، فمع إعلان أمانة عمان الكبرى عن تركيب 5500 كاميرا جديدة في شوارع العاصمة، انقسم الناس بين من يرى في القرار خطوة لتنظيم المرور، وبين من يراها عبئًا إضافيًا على المواطن الذي أصبح يعيش بين الكاميرات أكثر مما يعيش بين الأشجار.

معالي أمين عمان، الدكتور يوسف الشواربة، برر القرار بأنه جزء من خطة “المدينة الذكية”، لكن المواطن البسيط لم يجد في الذكاء هذا سوى غرامات “ذكية” تلاحقه حتى في أضيق الأزقة.

الكثير من الأردنيين تساءلوا، بنبرة تحمل شيئًا من السخرية الممزوجة بالوجع:
هل ستقوم الكاميرات بحل الأزمة؟
هل ستوسع الشوارع؟ أم ستخفف من ساعات الانتظار؟
الجواب الواقعي: لا.
فالأزمة في جوهرها ليست أزمة "رؤية"، بل أزمة تخطيط حضري ونقل عام، أزمة تزايد في عدد المركبات دون تطوير البنية التحتية، وأزمة ثقة بين المواطن والقرارات التي تُفرض عليه دون أن يشعر بأنها لمصلحته الحقيقية.

اليوم، يعيش الأردني مفارقة عجيبة:
نحن في عصر الذكاء الاصطناعي، لكننا نقف لساعات في طريق طوله كيلومتر واحد.
نمتلك أحدث أنظمة المراقبة، لكننا نفتقد نظام نقل عام فعّال يحترم وقت الإنسان.
نحلم بمدينة ذكية، لكننا ننسى أن الذكاء الحقيقي يبدأ من تيسير حياة الناس لا تعقيدها.

بين الزحمة والكاميرات… هل حان وقت العودة إلى الإبل (الجِمال)؟

في المقاهي والمكاتب ووسائل التواصل الاجتماعي، يتداول الناس نكاتًا عن فكرة “العودة إلى الجمال والحمير”، كبديلٍ حضاري خالٍ من الكاميرات والغرامات.
صحيح أن هذه المزحة تحمل طابع الفكاهة، لكنها في جوهرها صرخة وجع من واقعٍ أصبح فيه المواطن يشعر أن كل خطوة محسوبة عليه، وكل توقف قد يُكلّفه مخالفة مالية جديدة.
لقد تحولت القيادة في عمان من تجربة يومية عادية إلى مغامرة تتطلب أعصابًا فولاذية، وصبرًا بحجم المدينة نفسها.

وإذا نظرنا بعمق، نجد أن المشكلة ليست في الكاميرات بحد ذاتها، بل في المنظور الضيق لإدارة الأزمة.
فبدلًا من التفكير بحلول طويلة المدى، مثل:

تطوير شبكة نقل عام حقيقية ومنظمة.

تحسين البنية التحتية للشوارع.

توزيع المراكز التجارية والإدارية لتخفيف الضغط عن قلب العاصمة.
يتم التركيز على إجراءات ردعية، تراقب المخالفة بدلًا من معالجة سببها.
إن الكاميرا تلتقط الصورة، لكنها لا تُصلح الواقع.
تسجل الخطأ، لكنها لا تمنع تكراره.

الأردني اليوم لا يطالب بالمستحيل، كل ما يريده هو أن يتحرك بحرية، أن يعيش بهدوء، أن يصل إلى عمله دون أن يشعر بأنه عبر متاهة.
يريد حلولًا عملية تحترم كرامته كمواطن، لا كاميرات تلاحقه من شارع إلى آخر.
فالمدن ليست شوارع فقط، بل أرواح بشر يعيشون فيها، والمدن التي تُخنق بزحامها تفقد جزءًا من إنسانيتها.

ولأننا شعب اعتاد أن يسخر من وجعه كي يحتمله، فقد تجد المواطن يقول بابتسامة ساخرة:
"إذا استمر الوضع هيك، بشتريلي جمل، لا ترخيص، لا تأمين، ولا كاميرا!"
لكن خلف هذه السخرية حنينٌ صادق لمدينة كانت أكثر هدوءًا، وأقل صخبًا، وأكثر دفئًا في علاقاتها الإنسانية.
عمان لم تكن يومًا مجرد العاصمة، بل كانت نبضًا للحياة، تجمع أبناءها من كل المحافظات، واليوم هي بحاجة إلى أن تتنفس من جديد.

الزحام اليوم ليس في الشوارع فقط، بل في صدور الناس أيضًا.
زحام أفكار، وضيق في المساحة العامة، وضغط في المعيشة، وفوق ذلك كاميرات تُذكّر المواطن في كل لحظة بأنه “تحت المراقبة”.
لكن هل نحتاج فعلًا إلى أن نراقب المواطن، أم نحتاج أن نمنحه الثقة؟
أن نسهّل له طريقه بدلًا من محاسبته عليه؟

لقد آن الأوان أن يُعاد التفكير في فلسفة “المدينة الحديثة”.
الحداثة ليست بعدد الكاميرات ولا بارتفاع الأبراج، بل في مدى احترام المدينة لإنسانها، في قدرتها على جعل الحياة أسهل وأجمل وأقل توترًا.
وما دام المواطن يشعر بأن القرارات تُتخذ فوق رأسه دون أن يُسمع صوته، فلن تنجح أي خطة، مهما كانت “ذكية”.

وفي النهاية، لا أحد يكره النظام أو القانون، لكن الناس يريدون أن يشعروا أن القانون جاء ليخدمهم لا ليخنقهم، وأن التطور جاء ليخفف عنهم لا ليزيد من أعبائهم.
نحتاج إلى عمان تتنفس بالحب لا بالزحام، تبتسم في وجوه المارة بدلًا من أن تصوّرهم بالكاميرات.

وفي الختام اقول:

لقد آن الأوان أن يسمع صانع القرار أنين المواطن قبل أن يسمع صوت الكاميرا.
لقد تعب المواطن الأردني من الزحام، من الانتظار، من الغرامات التي لا تنتهي.
يريد فقط أن يعيش بكرامة في مدينته، أن يمشي في شوارعها دون أن يشعر أنه متهم في كل زاوية.
فلتكن التكنولوجيا وسيلة حياة لا وسيلة جباية، ولتكن عمان كما كانت دائمًا: مدينة للناس، لا مدينة للكاميرات.

فيا عمان، كوني كما عهدناكِ… تضبطين الإيقاع لا الأنفاس.








تابعونا على صفحتنا على الفيسبوك , وكالة زاد الاردن الاخبارية

التعليقات حالياً متوقفة من الموقع