التعبير السلمي، هو رسالة وحالة ومضمون واعي يجعل من رسالة أيّ منّا أكثر وضوحا، وأكثر عملية، ومؤكدة الوصول، سيما وأن أصواتنا جميعا تحكي ذات المضمون تحديدا فيما يخص القضية الفلسطينية والموقف من الحرب الإجرامية على قطاع غزة، والانتهاكات والجرائم بحق الشعب الفلسطيني، دون ذلك نحن نتحدث عن أصوات تصدح بما هو خارج مضامين رسالتنا الوطنية الأردنية على الصعيدين الرسمي والشعبي.
لم يهدأ الشارع الأردني منذ السابع من تشرين الأول الحالي، فكان جنبا إلى جنب مع الأهل في غزة، متضامنا مؤيدا داعما بكل ما أوتي من وطنية، ومن حبّ لأرض عشقت السلام لكنه هجرها، وفي الوقفة الأردنية اختلاف عن أي مواقف أخرى، فهي الوقفة التي تتقارب بها نبضات القلوب والآراء والمواقف، ما يجعل منها وقفة ذات مكانة خاصة عند كل الغزيين، بانسجام وتشابك كامل ما بين كافة أفراد المجتمع رسميا وأمنيا وشعبيا، كلّ هذا يجعل من أي شخص يخرج عن هذه الرؤية الأردنية الواحدة بأي مواقف أو إجراءات غير سلمية أو تسعى لإتلاف منشآت أو ممتلكات هو بذلك يُفسد هذه الرؤية.
في متابعة من يقومون بإتلاف المنشآت الخاصة والعامة، كشكل من أشكال التعبير للتضامن مع الأهل في فلسطين، يتبادر لأذهاننا جميعا ما الفائدة من احراق أو تكسير لمحل أو منزل أو مطعم أو حتى بنك أو مؤسسة عامة، في رسالة التضامن؟!! أي تعبير هذا الذي يبنيه البعض على رماد، وأي تعبير هذا الذي تنقله صورة عنف جميعنا نرفضها بل جميعنا خرجنا تضامنا مع من يتعرضون له، أي تعبير هذا يحارب الظلم والعنف والإرهاب برسالة تحمل ذات المضمون مع اختلاف الجاني والمجني عليه، هي في مجملها رسالة سوداء تشوّه بياض مشهدنا الداخلي المتلاحم مع فلسطين وضد الاحتلال.
عمليا، لا فائدة مطلقا من أي تضامن يأتي من خلال العنف والإتلاف والاعتداء على المنشآت أيا كانت عامة وخاصة، فليس في ذلك أي رسالة سوى أنهم يحاربون العنف ويقومون به، ويقفون ضد التدمير ويمارسونه، ويتضامنون مع من دمّرت ممتلكاتهم ويدمرون ممتلكات الآخرين، عمليا لا فائدة من مثل هذه الرسائل التضامنية، ذلك أن التعبير إن لم يكن سلميا سيما وأنه لا يوجد ما يدفع بغير ذلك ليس تعبيرا حقيقيا، إنما رسائل تخبّط يُراد منها تشويه رسائل الشارع الأردني التضامنية والأخوية والنضالية مع الأهل في غزة والضفة الغربية، وحتما أحد منا لن يرضى بذلك، فهو سلوك مرفوض جملة وتفصيلا بل ويجب محاسبة من يقومون به.
وحتى لا تؤخذ كلماتي لما لا أعنيه، ولا أقصده أو حتى لا أفكر به، حرية التعبير مطلب حقيقي اليوم وخلال حرب مدمرة على الأهل في غزة، ووجود مواقف تضامنية واجب وطني علينا جميعا، ولم أقصد أن لا يعبّر أحد عن موقفه من هذه الحرب والظلم والإجرام الذي يتعرض له الأهل في غزة، إنما هي دعوة للتضامن على أن يكون مسؤولا وسلميا، فلم تصل يوما أي رسائل بصوت مرتفع تخفي حقيقته ضجيج فوضى التعبير، وتتلفه إجراءات العنف والاعتداءات والاتلاف لأي مكان أو منشأة، التضامن السلمي والتعبير الحر المسؤول واجب علينا جميعا، وهو ما يقوم به الأردن ليس من السابع من هذا الشهر، إنما تاريخيا وذاكرتنا تحتفظ بملايين المواقف والمشاهد والتضامن الفعلي مع فلسطين.
التعبير السلمي واجب وطني علينا جميعا، وكل ما هو غير ذلك مرفوض، ولا نتائج له سوى التشويش والتشويه للمواقف الوطنية التي حرص عليها الأردنيون اليوم وتاريخيا تجاه القضية الفلسطينية، وهذا مرفوض من كل مواطن يحرص يوميا على التضامن مع الأهل في غزة والضفة الغربية بشكل سلمي وحضاري وواضح الهدف.