عجلون: الأمطار تكشف اختلالات في البنية التحتية لطريق وادي الطواحين
مؤشرات ترصد تسارع التحول الرقمي بوزارة العدل وتوسيع بدائل العقوبات خلال 2025
المصفاة: الماء غير مستخدم في تعبئة أسطوانات الغاز
العرموطي يطالب بتوضيح مصطلح «الزوايا» في مشروع قانون الأوقاف
السودان: نزوح 13 مليون شخص جراء الحرب
الأردن يشهد تقدما في 2025 على أكثر من 20 مؤشرا دوليا
انفجار في منطقة المزة بدمشق .. والسلطات السورية تحقق
وزارة الزراعة تبدأ باستقبال طلبات استيراد زيت الزيتون اليوم
حادث لتريلا مسبّعة يعيق حركة السير على طريق المفرق – الزرقاء
البيطار: زين مستمرة بدورها الريادي الوطني وتطوير البنية التحتية للاتصالات وتقديم الأفضل للأردن والأردنيين
6 الآف مستفيد من برامج معهد التدريب المهني في جرش
الأرصاد: هطولات مطرية غزيرة في عدة محافظات وتحذير من السيول
الإدارة المحلية: 95 شكوى وارتفاع مستوى الإنذار جراء منخفض جوي عالي الفعالية
العجلوني يتفقد سير امتحان "الشامل" العملي للدورة الشتوية
(متلازمة المؤخرة الخاملة) .. آلام كبرى وتشخيصات خاطئة
ماكرون: حلفاء كييف سيجتمعون في باريس مطلع كانون الثاني
الأطعمة الخارقة .. 12 غذاءً كثيف العناصر يجب أن يضمها نظامك الغذائي
الصين تعارض الاعتراف بأرض الصومال وتجدد دعمها لمقديشو
344 شكوى عمالية ضد منشآت لم تلتزم بالحد الأدنى للأجور
بقلم: الدكتور المحامي يزن سليم عناب - لم يعد الحديث عن الفوترة الإلكترونية مجرد نقاش تقني أو إجراء إداري محدود الأثر، بل أصبح جزءًا أساسيًا من التحولات الاقتصادية والقانونية التي تشهدها الدولة في سعيها لإعادة ضبط النظام الضريبي وتعزيز العدالة بين المكلفين. فمع توسع الاقتصاد الرقمي وازدياد حجم المعاملات غير الموثقة، وجدت الجهات الضريبية نفسها أمام تحدٍ حقيقي يتمثل في ضبط الإيرادات دون اللجوء إلى رفع نسب الضرائب، وكان الاتجاه نحو نظام فوترة إلكتروني وطني أحد أبرز أدوات المواجهة.
يقوم هذا النظام على فكرة بسيطة في ظاهرها، لكنها عميقة الأثر في نتائجها، وهي توثيق العمليات التجارية لحظة وقوعها وربطها مباشرة بالمنظومة الضريبية. هذا الربط يحدّ بشكل كبير من فرص إخفاء الإيرادات أو التلاعب بالفواتير، ويجعل البيانات المالية أكثر دقة وواقعية. من هذا المنطلق، ترى الجهات الرسمية أن الفوترة الإلكترونية ليست أداة جباية إضافية، بل وسيلة تنظيم تهدف إلى تحقيق العدالة، بحيث يدفع كل مكلف ما يترتب عليه فعليًا، دون أن يتحمل الملتزم عبء المتهرب.
غير أن الانتقال من النظام الورقي أو شبه اليدوي إلى النظام الإلكتروني لم يكن سهلًا على جميع الشركات بالقدر نفسه. فبينما استطاعت الشركات الكبرى والمتوسطة التكيّف بسرعة نسبيًا بفضل بنيتها التقنية والإدارية، واجهت شريحة واسعة من المشاريع الصغيرة تحديات حقيقية، سواء من حيث الكلفة أو الجاهزية أو حتى الفهم الدقيق لمتطلبات النظام. فالتحديث المحاسبي، وربط الأنظمة، والتعامل مع منصات إلكترونية جديدة، كلها أمور قد تبدو بسيطة نظريًا، لكنها تمثل عبئًا فعليًا على منشآت تعمل بهوامش ربح محدودة وإمكانات بشرية وتقنية متواضعة.
إضافة إلى ذلك، تخشى بعض الشركات من أن يؤدي التطبيق الصارم للفوترة الإلكترونية إلى تضييق الخناق عليها في مرحلة انتقالية لم تكتمل فيها عملية التأهيل، خاصة في ظل وجود عقوبات وغرامات مرتبطة بعدم الالتزام أو التأخر في التطبيق. هذه المخاوف، وإن كانت مفهومة، إلا أنها لا تلغي حقيقة أن استمرار الأنظمة التقليدية السابقة لم يعد ممكنًا في اقتصاد يسير باتجاه الرقمنة والشفافية، وأن جزءًا من هذه التحديات يرتبط بثقافة الامتثال المؤجل أكثر من ارتباطه بجوهر النظام نفسه.
في المقابل، لا يمكن تجاهل الأثر الإيجابي للفوترة الإلكترونية على المدى المتوسط والبعيد، ليس فقط على الخزينة العامة، بل على بيئة الأعمال نفسها. فوجود بيانات دقيقة وموثقة يحدّ من النزاعات الضريبية، ويقلل من التقديرات الجزافية، ويمنح الشركات الملتزمة وضوحًا أكبر في أوضاعها المالية، كما يساهم في خلق منافسة أكثر عدالة، حيث لا يعود المتهرب قادرًا على تحقيق ميزة غير مشروعة على حساب الملتزمين.
الخلاصة أن الفوترة الإلكترونية تمثل خطوة إصلاحية لا غنى عنها في أي نظام ضريبي حديث، لكنها في الوقت ذاته تتطلب إدارة ذكية للمرحلة الانتقالية. فنجاح هذا التحول لا يُقاس فقط بزيادة الإيرادات أو انخفاض التهرب، بل بقدرة الدولة على مرافقة الشركات، لا سيما الصغيرة منها، في هذا المسار، من خلال التوعية والدعم الفني والمرونة التطبيقية. عندها فقط يمكن القول إن الفوترة الإلكترونية انتقلت من كونها أداة رقابية إلى كونها عنصرًا فاعلًا في بناء اقتصاد أكثر توازنًا واستقرارًا.
وبرأيي، فإن الفوترة الإلكترونية ليست المشكلة بحد ذاتها، بل المشكلة في تحويلها من أداة تنظيم وعدالة ضريبية إلى عبء يُفرض بأسلوب رقابي صارم على الشركات الملتزمة قبل غيرها. فمكافحة التهرب الضريبي لا تتحقق بتكثيف الغرامات ولا بتضييق الخناق الإداري، بل ببناء نظام يفرّق بوضوح بين من يتهرب ومن يحاول الالتزام ولا يمتلك الجاهزية الكاملة. أي إصلاح ضريبي لا يوازن بين حماية الإيرادات العامة وحماية النشاط الاقتصادي المنتج، هو إصلاح ناقص، مهما كانت أدواته حديثة أو أهدافه مشروعة.