ثمة تناقض بارز بين ما قاله الداعية الأصولي وجدي غنيم ، وبين ما كتبه المرشد العام لحركة الإخوان المسلمين د . محمد بديع ، وكلاهما مصري الجنسية .
في 2/2012 كتب محمد بديع مقالاً في الأهرام قال فيه " إننا نسعى لبناء الدولة الديمقراطية الحديثة القائمة على أساس المواطنة ومبادئها وسيادة القانون والحرية والمساواة والتعددية ، بكل أشكالها وأنواعها ، والتداول السلمي للسلطة ، عبر صناديق الأقتراع ، وإحترام حقوق الأنسان وحرياته الأساسية ، وشيوع قيم الحرية والعدالة والمساواة بين جميع أبناء الأمة ، بلا تمييز على أساس العرق أو اللون أو الدين "
ورد عليه الداعية السلفي وجدي غنيم أثناء زيارته لتونس كلاماً لا يقل وضوحاً وأهمية عما قاله المرشد العام لحركة الإخوان المسلمين ، مؤكداً على أن " سيادة الشعب كفر وضلال " و " الحرية الشخصية باطلة " و " حرية التدين تساوي الردة " وكلاهما عبر حزبيهما وهما يتقسمان الأغلبية في مجلس الشعب المصري المنتخب بعد ثورة يناير والربيع العربي .
في العالم العربي أربعة أحزاب أصولية عابرة للحدود هي 1- حركة الإخوان المسلمين 2- ولاية الفقية الأيرانية 3- حزب التحرير الأسلامي 4- وتنظيم القاعدة ، والتنظيمات الأربعة تعمل بالسياسة ، وتهتم بها وتسعى للوصول إلى السلطة الحاكمة في كل بلد عربي ، بعضها يلجأ إلى الوسائل المدنية كما تفعل حركة الإخوان المسلمين وولاية الفقية على الأغلب رغم وجود بعض الأستثناءات في تاريخها وفي سلوكها كما فعلت حركة حماس بإنقلابها في قطاع غزة ، ولا تزال ، وبعضها الأخر لا يؤمن بالعمل الجماهيري والنقابي والبرلماني ويغلب عليه الطابع الثوري والأنقلابي كما يفعل تنظيم القاعدة وحزب التحرير الأسلامي .
السلفية ، كانت حركة دعاوية إصلاحية لا تهتم بالسياسة ، ومهادنة لكل سلطة حاكمة ، ملكية كانت أم جمهورية ، ديكتاتورية متسلطة أو لديها هامش من الأنفتاح ، وفي كل الأحوال كانت السلفية تعمل بعيداً عن أعين المجتمع ، حيث لديها مجتمعها الخاص الأنغلاقي وقيمها المتشددة ، وكانت محايدة تماماً في الصراع الدائر في المجتمعات العربية ، هدفها التدين ونشر الدعوة محلياً وعربياً وعالمياً ، ولكنها فاجئت أكثر المراقبين يقظة في مصر وفي غيرها حينما خاضت المعركة الأنتخابية وحصلت على موقع الحزب الثاني في البرلمان المصري ، وليس هذا وحسب بل ودعاتها خرجوا إلى العلن ، ليقودوا فلسفتهم علناً ويبشروا بما يؤمنون به ، بعد أن كانوا مختفين عن أعين المراقبين ، ويحظوا بثقة أجهزة الأمن بإعتبارهم شيوخاً لا هم لهم سوى الصلاة وتأدية الشعائر وعدم متابعة الحدث سياسياً كان أو إقتصادياً أو غيره .
السلفيون الذين بنوا تنظيماتهم وخلاياهم في السر مثلهم مثل حزب التحرير الأسلامي ، باتوا قوة قادرة على تحريك الناس ودفعهم نحو صناديق الأقتراع وتحقيق نتائج ملموسة ، وبالتالي صياغة الموقف والأسهام فيه ، في غياب وتراجع وإنحسار دور القوى الوطنية والقومية واليسارية التي دفعت ثمن معركة الحرب الباردة بهزيمة الشيوعية والأشتراكية والأتحاد السوفيتي ، ومعركة فشل التيار القومي بهزيمة العراق وحصاره وإحتلاله وكذلك في سوريا ومن قبلهما في مصر عبد الناصر .
التيار الأصولي الأسلامي برمته ، وتنوعاته وفروعه ، هو عنوان الحاضر وسيبقى لفترة غير منظورة ، لأنه إستفاد من تحالفه مع الأميركيين طوال الحرب الباردة ، مثلما إستفاد من تحالفاته المحلية مع الملك حسين والسادات وجعفر نميري ومع النظام الخليجي بقيادة السعودية سابقاً ، ومع قطر حالياً ، وسيبقى كذلك حتى يتم إختباره على أرض الواقع وفي إدارة الدولة ، وبمدى إنسجامه مع قيم العصر ، وهذا ما حاول محمد بديع أن يقوله في مقالته في الأهرام ، وما حاول أن ينفيه وجدي غنيم بما يتعارض ويتناقض مع ما ذهب إليه المرشد العام لحركة الإخوان المسلمين .