يعيش الأردنيون ألوانا من الإنهيار الإجتماعي والإقتصادي والتعليمي تتأرجح بين الذهول والرعب، ويواصلون تجرُّع كؤوس السم الكفيلة بتحطيم أي إرادة للوجود والإستمرار والصمود للبقاء في بلدهم.. وبالحد الأدنى للحياة.. ما يجعل أي عاقل قادرا على حزم حقائبه للبحث عن مكان طبيعي للعيش.. لا يهم أين وكيف وبأي مقومات.. المهم الهروب مما لا يمكن تحمله أو تخيله.
وإلا كيف يمكن قراءة الكوابيس التي ترافق الحياة اليومية، مع أمراض إجتماعية قد يعاني منها أي بلد آخر، لكن وجود دولة وقانون وأمن وقضاء ومحاسبة يلجمها ويحدها ويخفف من الضرر الممكن أن تلحقه بالمواطنين.
فالإعلام يشهد تناقضات تكاد تسلبه مصداقيته وهو ينقل تقارير عن إزدهار السياحة بفعل شبه إنهيار للوضع الإقتصادي والتعليمي قياسا إلى الدولار، ليلحقها بتقارير أخرى وفي النشرة ذاتها عن عمليات السلب والنهب والإعتداء على على القاصرين والقاصرات والأطفال.
أكثر من ذلك الإعلام بات عاجزا عن حماية نفسه من إنتهاكات، أقل ما يمكن أن يقال فيها أنها "زقاقية"، لم يعد يكتفي أصحابها بالتعابير البذيئة، ليحاولوا إظهار ولائهم وإستنادهم على قوة مرجعياتهم بالإشتباكات وعلى الهواء مباشرة، ومن دون أن يتسبب مثل هذا الأداء البلطجي بوقف حلقة حوارية.
ولعل ما خفي ولم يجد طريقه إلى الإعلان والإعلام قد يكون أعظم وأفظع.. ما يدفع إلى التساؤل إن كان إنتخاب مجلس يملك مواصفات فتح مسار العودة إلى الحياة الطبيعية في الأردن.. وما يطرح علامات إستفهام تتعلق بقدرته وقدرة حكومته على معالجة هذه الأوضاع التي تفوق بأهميتها المالية العامة للدولة أو حصص اعضاء المجالس والحكومة من جبنة الحكم.
ولعل أكثر ما يخيف هو هذه البلادة الإجتماعية في تقبل لأوضاع الشاذة والمستعصية والمتزايدة، من دون أن يتحرك الناس، إلا بشكل فردي ولأهداف خاصة.. فقد باتت شرائح واسعة من الذين خسروا ويخسرون أمانهم الاجتماعي والمالي مع تفاقم الأزمات، مقتنعة أن من يستثمر في أصحاب النفوس الضعيفة الميته يصل إلى أهدافه، ومن يلتزم بالقيم والضمير والأخلاق لا يملك إلا الشكوى للخالق سبحانه وتعالى.
أن المطلوب هو هذا الإنهيار إلى مراتب متقدمة من جحيم يفوق كل ما ورد في الأساطير، بحيث لا يبقى في البلد إلا من ماتت ضمائرهم ومن يدور في فلكهم ومن يخضع لهم.. وإلا لما كان الهدف لهؤلاء أصحاب النفوس الضعيفة المتعفنة واضح لجهة القضاء على خصوصيات هذا البلد الصغير الذي كان غنيا بقطاعات الإستشفاء والطبابة والتعليم والمصارف والإعلام والمسارح والثقافة وحرية التعبير.
وإزاء الوقائع المخيفة هذه، فإن شعارات الإصلاح ومعالجة الأزمات من الحكومات تبدو طنانة لكن لا جدوى فعلية لها إذا لم تترافق مع ورشات حثيثة ومعالجات جذرية لتنظيف قاع المجتمع.. وإلا ماذا ينفع الأردن إذا ربح (قانونا) وخسر نفسه..
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي