ما حدا قاري ورق....!
صايل الخليفات
أفضل ما أمكنني التوصل إليه من تحليلات للواقع الذي نعيشه اليوم كمواطنين مع حكوماتهم وموظفين مع مدرائهم، أننا نمر بمرحلة مخاض قد يقدر الله لنا فيها السلامة ،فننتقل من حقبة الكذب والتدليس والضحك والخداع والنفاق الرسمي ، إلى الحقبة التي تفرضها قوى ورغبات التغيير التي توشك أن تقتلع الكاذبين والمنافقين من جذورهم ، فتريح من شرورهم البلاد والعباد.
لكن مرحلة المخاض هذه عندنا تحديدا – حسب ظني – ستطول ؛لوجود تلك الفئة من المسؤولين ممن فُطموا على الكذب ،وقيل لهم اكذبوا وارتقوا في هذا البلد فإن منزلتكم عند أفضل كذبة تكذبونها ،وهم كثر عندنا جمعتهم وحدة الطبع، فقديما قالوا الطيور على أشكالها تقع .
احترت كثيرا وأنا أتأمل بعض التصريحات الرسمية التي تجري على ألسنة بعض المسؤولين بين الحين والآخر ، حيث إنها تسير بمن يتأملها في كل اتجاه وتسلك به كل مسلك ، ثم يصل بها إلى حقيقة قديمة حديثة : \"مش فاهم إشي\".
قبل أكثر من شهر صرح مسؤول مالي بأن قيمة الجمارك عندنا على جميع السلع هي:صفر،وأن ما يُدفع للدولة على السلع المستوردة إنما هو ضرائب بمسميات مختلفة.
ثم أدلى مسؤول آخر قبل عدة أيام بتصريح مفاده :لا نية لتخفيض الجمارك على جميع السلع المستوردة ،وذلك على خلفية ما يشيع على ألسنة الناس ويترقبونه في المستقبل القريب،إن تم لنا الدخول إلى منظومة مجلس التعاون الخليجي، وما يترتب عليه من توحيد التعاملات المالية الرسمية العليا ومقتضياتها لكل دول المنظومة.
تناقض بين الاثنين، إلا إذا كان الثاني يتعامل معنا بمنطق التورية والمواربة ،إذا لا يمكن أن تنزل فعليا إلى ما دون الصفر!!! فهو محق بذلك.
ومن التصريحات الغريبة والعجيبة أيضا ما أوردته بعض المواقع الالكترونية من وصف بعض المسؤولين للواقع الاقتصادي والسياسي الذي تمر به البلد اليوم بأنه خطر للغاية ، وشبهوا تلك المنح المالية التي وصلتنا من بعض الدول الخليجية الشقيقة بقطرات الماء تُلقى في فم المحتضر لعلها تطيل بقاءه!!!
إذن ، قيمة الجمارك عندنا : صفر،ثم :لا نية لتخفيض الجمارك !
واستطعنا أن نتجاوز الظروف الصعبة التي يمر بها العالم اليوم ، والواقع يبشر بمستقبل أفضل ، ثم: إننا كالمحتضر يرجو قطرات من الماء علها تُنسئ وفاته !
عزيزي القارئ الكريم : هل فهمت شيئا من مثل هذه التصريحات ؟ أظن أنك ستقول : لا ؟ سامحك الله ،فأنا كذلك!
وإني مستشيرك فيما بدأت أفهمه بعد لملمة مثل هذه التصريحات وغيرها ومطابقة بعضها من بعضها ، وهو أن ما يدور في أروقة الغيب السياسي عن الوضع الفعلي الذي نمر به اليوم يدعو أصحاب القرار إلى التصريح بأي شيء يصرف انتباه الناس عن حقيقة الحال ويحول بينهم وبين فهمه كما هو!
كما أنني أشك أن جُل َّهمومنا واهتماماتنا في المرحلة القادمة ودعاءنا ، أن يدوم الحال على ما هو عليه الآن بكل علّاته....
فلا نفهم - وفقنا الله وحكوماتنا - تلك التصريحات المبشِّرة بمستقبل أفضل كما نحب أن نفهمها ،إذ لعل المستقبل الأفضل هو عدم حدوث ما هو أسوأ !