كأردني وفلسطيني وعربي وإنسان ، أشعر بالضعف أمام زيارة الأمير القطري إلى غزة ، لسببين أولهما مالي لأن قطر قدمت دعماً يصل إلى 400 مليون دولار لتغطية نفقات مشاريع حيوية ، تمنح غزة رافعة تسمح لها بالوقوف على رجليها وتحرك سوقها الضعيف ، وأهلها بحاجة له ، ومن يقول غير ذلك لا يحس معاناة أهالي القطاع ولا يتفهم إحتياجاتهم ، وثانيهما الأثر المعنوي الذي يفتح نافذة لأهالي غزة على أنهم ينتمون لعالم ، أحد قياداته ، نظر لهم ، نظرة تقدير ووصل لعندهم ، حاملاً شمعة ورسالة أمل ، على أنهم ما زالوا يستحقون الحياة .
بهذا المعنى ، وبهذه الحدود ، زيارة الأمير وأسرته ، تستحق الأحترام ، ومبادرة تستحق رد الجميل ، بالشكر والعرفان ، بعيداً عن السياسة ودوافعها وخفاياها .
ولكن من نفس الموقع الأردني والفلسطيني والعربي والأنساني ، تستحق زيارة الأمير القطري إلى قطاع غزة التدقيق والتمحيص والتقييم والمعالجة ، فالزيارة تمت لأدارة سياسية ، ولموقع سياسي ، متمرد ، إنقلابي ، يمارس التفرد والقمع ، واللون الواحد ، على طريقة زين العابدين بن علي وحزبه ، وحسني مبارك وشلته ، وعلي عبد الله صالح وأتباعه ، إن لم يكن أسوأ منهم جميعاً ، فالأدعاء " الأخواني " أنهم وحدهم أتباع الحق والحقيقة ، وممثلوا السماء وما فيها ، وما شيخهم إسماعيل هنية ، سوى عنواناً للأدعاء والفضيحة ، وما إتصالاته مع القاهرة من أجل وقف العدوان الأسرائيلي ونيل " الهدنة " والألتزام بها ، سوى صورة مقيتة سوداء لرسالة الرئيس " الأخواني " إلى شمعون بيرس ، وعودة السفير إلى تل أبيب ، والألتزام بكامب ديفيد ، التي كانوا يصفونها بأوصاف الخيانة وبيع الوطن أيام حسني مبارك ، وهي اليوم واقعية وضرورة وإحترام " المسلمين " لتعهداتهم ، وهي مثل تلك الأوصاف التي كانت تطلقها حماس وشيوخها على تعبيرات أبو مازن عن الصواريخ العبثية ، بينما أضحى إطلاق الصواريخ الأن على مواقع " العدو الأسرائيلي " خيانة وخروج عن تفاهمات القوى الوطنية والأسلامية التي تستحق الردع .
زيارة الأمير القطري إلى قطاع غزة تلبي تطلعات قطر الثرية بقدراتها المالية الخرافية ، التي تشتري اليمين واليسار ، وتضبط المتدينيين والكفرة ، والأصوليين والعلمانيين ، مع أن جميعهم من طينة واحدة ، من رجل الدين البارز حتى المفكر العربي ، يصغرون أمام شهوة المال والغاز دولار ، ويوظفون قدراتهم وإمكاناتهم وأفكارهم لخدمة من لا يستحق ، لأن دورهم هو حماية الأمارة المحمية بالقواعد الأميركية من البنتاغون والسي أي إيه ، وهم في خدمة برنامج الهيمنة الأميركية سياسياً وإقتصادياً وأمنياً على مقدرات عالمنا العربي ، ولحماية المشروع الأستعماري التوسعي الأسرائيلي .
قطر لديها تطلعات ، تؤديها عبر المال ، بذكاء وحنكة ، وتتسلى فينا ، من القاعدة حتى اليسار الجديد ، ومن الأخوان المسلمين حتى الليبراليين ، إعتماداً على المال المتدفق وعلى " الجزيرة " المتمكنة .
وزيارة الأمير تلبي تطلعات حركة حماس " الأستقلالية " لأقامة الدولة على القطاع ، وفي القطاع ، وبأي ثمن ، المهم أن يبقى الحزب والحركة و " الجماعة " في صدر السلطة والقرار ، والباقي إلى الجحيم ، فالإيمان والعقيدة والمقاومة بدأت مع الأخوان المسلمين وإستقرت عندهم ، ولا مجال لقبول الأخر ، لا بالإنتخابات ولا بالوحدة ، فالإنتخابات مظاهر مستوردة من المجتمع الغربي ، بينما الشورى هي بضاعتنا الأصيلة ، والوحدة مع الكفرة لا تجوز ، ولذلك لا مجال للقيادة وللنظام وللسلطة إلا للمؤمنين التقاة ، أتباع الجماعة ورفاق الشهداء حسن البنا وسيد قطب .
وزيارة الأمير القطري ، تمت بالتنسيق مع تل أبيب ، لأنها تنسجم مع التطلعات الأمنية والأستراتيجية لإسرائيل في إقامة الدولة الفلسطينية العظمى بقطاع غزة ، ويتبع لها ما تبقى من الضفة الفلسطينية بعد إقتطاع القدس والغور والأراضي الواقعة غرب الجدار والمستوطنات .
برنامج اليمين الأسرائيلي مع الأجهزة الأمنية ، تسعى نحو إعادة تكييف برنامج الدولتين كي تكون عاصمة الدولة العتيدة هي غزة المفتوحة على البحر ومستقلة عن إسرائيل وعن مصر ، مع جيب من الضفة ، يحمل سكانه جواز السفر الفلسطيني الممهور بقادة وسلطة وعاصمة فلسطين في غزة .
تلاقي المصالح القطرية الأسرائيلية مع حركة حماس والأخوان المسلمين ، تجسدت في زيارة الأمير ، الذي سيفتح بوابات للتفاهم المستقبلي ما بين غزة وتل أبيب وواشنطن ، وذلك كله يتم على حساب الشعب العربي الفلسطيني ، وقضيته ، وحقوقه الثلاثة غير القابلة للتبديد أو التلاشي أو النكوص .
- حق الفلسطينيين في مناطق الأحتلال الأولى عام 1948 بالمساواة .
- حق الفلسطينيين في مناطق الأحتلال الثانية عام 1967 بالأستقلال .
- حق اللاجئين بالعودة إلى يافا واللد والرملة وحيفا وعكا وصفد وبئر السبع ، وإستعادة ممتلكاتهم المصادرة من الدولة العبرية ، طال الزمن أو قصر ، فالمثل الذي تربينا عليه يقول " لن يضيع حق ووراءه مطالب " .