مع تجاوز الدين الأمريكي لأول مرة حاجز 34 ترليون دولار , والذي تجاوز نسبة الدين فيه 130% من الناتج المحلي الإجمالي الذي بلغ 25.5 ترليون دولار ,وهذا الرقم سيعرض الإقتصاد الأمريكي للخطر من ناحية إعادة التصنيفات الإئتمانية الأخيرة حيث إنخفضت العام الماضي من AAA إلى AA+ حسب تصنيف وكالة FITCH, إضافة إلى أن وكالة STANDARD &POOR’S قد خفضت التصنيف الإئتماني للولايات المتحدة عام 2011 إلى AA+ ولم تغيّر تصنيفها لغاية الآن, ولم تبق إلا وكالة MOODY’S حيث لا تزال تحتفظ بتصنيف AAA للولايات المتحدة, وسيؤثر على قدرة الولايات المتحدة على الإقتراض مما يعرضها للإفلاس خلال عام 2024.
على الجانب الآخر لا زال إستهداف نسبة التضخم 2% بعيدة الوصول اليها خلال هذا العام ولن يكون هناك هبوطاً ناعماً كما تم التوقع له, فما جرى خلال الربع الرابع من العام الماضي من تثبيت الفائدة على الدولار 3 مرات , للتوازن بين النمو الهش والمحافظة على البنوك الأمريكية من الإنهيارات والتي عصفت بها العام الماضي حيث بدأت بتعثر بنك السيليكون فاليSVB خلال شهر آذار الماضي , وتم شراءه من قبل First Citizens Bank خشية تكرار ما حصل عام 2008 عندما إنهار الإقتصاد العالمي وكلف العالم خسارة وقتها تقارب 1.5 ترليون دولار, وقد قامت وكالة MOODY’S في نفس الشهر بتخفيض تصنيفات إئتمانية ل10 بنوك أمريكية ووضع بنوك أخرى تحت المراجعة مما أثر على معنويات المصارف في الولايات المتحدة.
إن صدور البيانات الأمريكية الهامة للفيدرالي الإسبوع الماضي والمخالفة للتوقعات تثبت أن الإقتصاد الأمريكي يعاني من شبح الركود الإقتصادي فالبيانات التي تم البناء عليها عند تثبيت الفائدة نهاية العام الماضي جاءت الآن متضاربة , مما يعني أن الباب لا زال مفتوحاً لمزيد من الرفعات على الدولار في هذا العام, ناهيك عما تحدثوا به العام الماضي بأنه سيكون هناك تخفيض عام على فائدة الدولار ب75 نقطة.
في ضوء معاناة الإقتصاد الأمريكي لا تزال الولايات المتحدة تدعم حربين أثقلوا كاهل دافعي الضرائب الأمريكية وهما الحرب الروسية - الأوكرانية والتي ستدخل عامها الثالث وحرب غزة والتي ستدخل شهرها الرابع, حيث صرفت الولايات المتحدة عليهما لغاية الآن قرابة 200 مليار دولار, وتريد خلال هذا العام رصد أكثر من 100 مليار دولار لدعمها.
إضافة إلى تخفيض الإستثمار في سندات الخزانة الأمريكية بالنسبة للدول, نتيجة لتجميد الغرب نصف إحتياطيات روسيا من الذهب والعملات الأجنبية , فعدم الثقة والمصداقية الدولية سيؤثر سلبياً على الإقتصاد الأمريكي.
ولا ننسى الكابوس الأكبر وهو تمدد مجموعة بريكس والتي إستقبلت بداية هذا العام المجموعة الأخيرة التي إنضمت مؤخراً اليها وهي السعودية ومصر والإمارات وإيران وإثيوبيا بعد تراجع الأرجنتين , وهناك قرابة 30 دولة مرشحة للإنضمام هذا العام, والخشية من صك عملة جديدة ستؤثر على الدولار وتنهي تعاملات البترودولار والتي إمتدت لخمسة عقود, وفقدان السيطرة الإقتصادية على الحلفاء مثل الدول الإفريقية وبعض الدول العربية نتيجة التدخلات السياسية الغير عادلة في قضايا الشعوب , تلك الدول التي تمد الولايات المتحدة بالمواد الخام والثروات النفطية والمعدنية , وتكون في المقابل سوق إستهلاكية للمنتجات الأمريكية من سلع غذائية وسلع إستهلاكية وشراء سلاح وشراء خدمات أمن وحماية وشراء الأجهزة والمركبات وغير ذلك, إضافة إلى كل ما سبق أضيف بأن التوترات السياسية والعسكرية مع الصين لا زالت على المحك والتي أثرت على أكبر سوق تجاري للولايات المتحدة مع الصين , وما صرح به الرئيس الأمريكي العام الماضي من منع الشركات الأمريكية من الإستثمار في الصين كانت سابقة هي الأولى من نوعها .
فالدولة العميقة في الولايات المتحدة عليها التدخل السريع للبحث بأسباب التضليل الإقتصادي والتخبط فيه, والذي يخدم أجندات إنتخابية للأحزب الأمريكية , إضافة إلى التدخلات والدعم العسكري واللوجستي الغير مُجدي في الصراعات الخارجية بين الدول والتي تدعمه الولايات المتحدة بدون نتائج تنعكس على الإقتصاد الأمريكي أو الشعب الأمريكي.
الخبير والمحلل الإستراتيجي في السياسة والإقتصاد والتكنولوجيا
م. مهند عباس حدادين
mhaddadin@jobkins.com