سلامة الدرعاوي - دائماً ما يُتّهم ديوان المحاسبة بأنّه معطّل لقرارات اقتصاديّة في الوزارات ويحدّ من سرعة اتّخاذ القرارات، وهو على الدوام مُتّهم من غالبيّة الوزراء بذلك.
الانطباعات العامّة الّتي تشكّلت في الرأي العامّ خلال السنوات الماضية تجاه ديوان المحاسبة بأنّه يتناول صغار الأمور ويترك الكبيرة منها، ويشغل الشارع بتقارير تركّز على أمور سخيفة؛ ككابونات بنزين، علاوات، استخدام مركبات، شراء أثاث أو تذاكر سفر وهكذا أمور.
لكن هل هذه الانطباعات صحيحة عن الديوان؟.
الّذي يدقّق في بعض أعمال ديوان المحاسبة يجد أنّ الأعمال الّتي يقوم بها رائدة ولا يمكن إنكارها في إصلاح الماليّة العامّة وحماية المال العامّ، لا بل يطال الأمر إلى الإصلاح الإداريّ وتصويب الأوضاع الإداريّة الرسميّة وإعادة تبويب القرارات والإجراءات الرسميّة لمسارها القانونيّ الصحيح والرشيد، وستسلّط هذه الزاوية عمّا قريب تفاصيل عمليّات الإصلاح المباشرة وغير المباشرة الّتي يقوم بها الديوان في تطوير جهاز الدولة الإداريّ بمختلف مرافقه، وحمايته للمال العامّ، بعد تسليم تقريره السنويّ لمجلس النوّاب الشهر المقبل.
ديوان المحاسبة الّذي تأسّس قبل سبعين عاماً يراقب ويحمي المال العامّ من دون أن يتدخّل بصنع السياسات الحكوميّة، وبالتّالي هو جهاز استشاريّ يقدّم المشورة الإصلاحيّة للحكومة ولمجلس النوّاب اللّذين يتوفّر لهما كمّ كبير من المشورة من بيت خبرة حقيقيّ له دراية ومعرفة عميقة بكيفيّة تنفيذ القرار والإجراءات الحكوميّة دون أيّ خلل أو مخالفة قانونيّة.
هذه هي الفلسفة الرقابيّة لديوان المحاسبة، فهو يراقب النواحي الماليّة والإداريّة في مؤسّسات السلطة التنفيذيّة من وزارات ومؤسّسات عامّة وشركات تملك فيها الحكومة نسبة عالية، وبالتّالي هو جهة ليست إعلاميّة بقدر ما هي مؤسّسة تصوّب الأوضاع وتضع القرار على مساره الصحيح، وتقدّم الملاحظات على كيفيّة الأداء الحكوميّ.
ديوان المحاسبة يتبع دستوريّاً لمجلس النوّاب لكنّه يرفع تقاريره أيضاً وفق آليّة محدّدة لرئيس الحكومة الّذي اعتاد تقديم كلّ الدعم له، وهذه الحكومة سنّت سنة حميدة بتشكيلها لجنة وزاريّة لمتابعة ملاحظات الديوان على مختلف مؤسّسات ووزارات الدولة، والعمل على تصويبها ومعالجة أيّ خلل يحدث أو حدث، حتّى لو اضطرّت هذه اللجنة لتحويل الملاحظات إلى النائب العامّ لوجود شبهة فساد كما حصل مؤخّراً مع بعض الملاحظات.
ديوان المحاسبة أحد أهمّ مرتكزات بناء الدولة الأردنيّة بتبعيّته القانونيّة لمجلس النوّاب، وذراعه الرقابيّة الماليّة والإداريّة، وعينه الساهرة على الحكومات، وهو مثله مثل أيّ من مؤسّسات الرقابة على الحكومات يتعرّض دائماً لمحاولات تهميش دوره أو التقليل من دوره أو تشويه عمله، ولا نبالغ إن قلنا إنّ وزراء يقومون بهذا العمل وتحميل الديوان مسؤوليّة عدم تنفيذ قراراتهم أو تنفيذ خطط وزاراتهم، محمّلين الديوان مسؤوليّة تعطيل عمليّة التنفيذ، والحقيقة هي هروب من المسؤوليّة لا أكثر، فبعض الوزراء والمسؤولين من أصحاب الأيدي المرتجفة يربطون أسباب ضعف إداراتهم وتأخّر إنجازاتهم بالديوان ورقابته رغم أنّها ليست تنفيذيّة، لكنّهم لا يريدون اتّخاذ القرارات إلّا بمصادقة الديوان حتّى يحمي نفسه من تبعيّة الخلل في قراره الإداريّ.
الأمر لا يقتصر على الحكومة، فمجلس النوّاب أيضاً أهمل تقارير ديوان المحاسبة لسنوات قبل أن يصحو متأخّراً عليها ليجد كمّاً كبيراً من الملاحظات الّتي تحتاج لأشهر وسنين لمعالجتها وتصويبها، للأسف مرّت مرحلة طويلة من الإهمال التشريعيّ لتقارير الديوان.
الأردنّ من أوائل الدول الّتي أسّست هيئات رقابيّة على المال العامّ، وقد كانت جزءاً من مؤسّساته الدستوريّة ، أي إنّ الرقابة كانت أصيلة في السياسة الرسميّة للدولة وبكلّ وعي دستوريّ وماليّ ورقابيّ وحرص مبكّر على المال العامّ.
ديوان المحاسبة يستحقّ كلّ الدعم، وتقاريره نوعيّة تستحقّ تناولها بعمق بدلاً من السطحيّة في تناولها خاصّة الإعلاميّ منه، والتركيز على عمليّة الإصلاح الحقيقيّة الّتي يقوم بها بكلّ هدوء وضمن عمل مؤسّسيّ متّزن ورشيد، وللحديث بقيّة.