عندما يصبح النفاق فنا في الأردن
الأستاذ الدكتور أنيس خصاونة
استشراء ظاهرة النفاق في الأردن أصبح يستوقف بعض الأردنيين ممن لهم اهتمام بالشأن العام والسلوك المجتمعي والتغير القيمي الذي يشهده هذا البلد الطيب. صحيح أن الأنماط السلوكية المجتمعية تتأثر بمجمل التغيرات والتطورات التي يشهدها عالم التكنولوجيا والاتصالات وخصوصا وسائل التواصل الاجتماعي ولكن لا يمكننا فهم أو تفهم التغير الكبير في أنماط اتصال وتعامل الأردنيين مع بعضهم وخصوصا التعامل مع شرائح وأفراد تتمتع بالقوة أو الجاه أو السلطة أو المال. المنافقون متنوعون وليسوا من شريحة واحدة فمنهم الكتاب ورؤساء حكومات حاليين وسابقين ووزراء وأكاديميين ورجال دين معممين وغير معممين ونواب وأعيان وصحفيين وغيرهم نعم النفاق الذي نشهده لأولي السلطة والجاه نفاق مقزز وهو يتضمن قلب للحقائق وتزوير للواقع وإظهار للأشياء على نحو مغاير لواقعها والمنافقون يتلونون ويتغيرون كتغير الفصول الأربعة ولكن لا أزهار لهم فأزهارهم شوكا وثمارهم نخرها التسوس والمرض. بعض المرؤوسين ينافقون لرؤسائهم ويتزلفون بطريقة تذهب صفة الكرامة الإنسانية عنهم وتدمر احترامهم لأنفسهم واحترام الغير لهم، والوزراء ينافقون لرئيسهم ويمررون المعلومات التي يرغب بسماعها ويخفون عنه المعلومات الحقيقية عن عمل وزاراتهم .أما أولي الأمر ممن هم اعلى من رئيس الوزراء فحدث ولا حرج عن مهارة وبلاغة المنافقين في مدح السلطان لدرجة أن هذا المدح أصبح فنا ومدرسة يتبعها ويجاهر بها أفراد كثيرون ولا يخجلون في البوح علنا الى أنهم يريدون الوصول لمبتغاهم بأي وسيلة واي طريقة منطلقين بذلك من أن الغاية تبرر الوسيلة وضاربين بعرض الحائط بقيم الإسلام الرائعة التي تحث على الشجاعة في قول الحق وخصوصا في حضرة سلطان جائر. وفي الوقت الذي يمكن تفهم مسوغات نفاق المصلحة أو نفاق من لا يملك الى من يملك ونفاق من ينقصه جاه وسلطان الى من يملك الجاه والسلطان فإننا لا نجد تفسيرا لنفاق بعض الناس الى أفراد وشخوص ليسوا بحاجة الى ما لديهم من سلطان أو جاه أو مال فمن أجل ماذا ينافقون؟؟؟
يا ترى لماذا هذا الانتشار للسلوك النفاقي ولماذا أصبح هذا السلوك أكثر قبولا من الناحية الاجتماعية أو أقل رفضا على الأقل من قبل الناس مقارنة مع الغابر من الأيام؟ وما علاقة النظام السياسي بانتشار هذا السلوك ؟وهل يفضل الملك التعامل مع مثل هؤلاء المنافقين أو استئجارهم للعمل في بلاطه وإطرابه بالمديح والكلمات الرنانة التي تظهره على أنه خارق للعادة أو "إنسان سوبر" ؟ لماذا يركز النظام على اختيار من يتقنون الكلام عن الانتماء والوطن والمواطنة والأداء والإخلاص في حين أنهم هم الأسوأ انتماءا ووطنية ومواطنة وأداءا وإخلاصا؟ هل تريدون أسماء فاللائحة طويلة ويمكننا أن ندعم ما نقول بالواقع ولكننا حذرون من القضاء والمحاكم التي يستطيعون "جرجرتنا" إليها لشهور وسنوات ليثبتوا أنهم مخلصون للوطن وأننا قد قدحنا مقاماتهم "العليا" مع أنها ليست عليا لا في الدنيا ولا في الآخرة لأنهم حطب جهنم وإن شاء الله مأواهم مع "السفلة" في الدرك الأسفل من النار .
النظام السياسي الأردني أسهم إسهاما كبيرا في نشر وتعزيز السلوكيات النفاقية في المجتمع الأردني من خلال استقطاب الناس واحتواء المعارضين واستمالة الشيوخ بلقب شيخ أو شيخ مشايخ أو تعيين عين في مجلس الأعيان أو في الوزارة أو بالهبات والأعطيات على طريقة السلاطين العرب القدماء في إكرام الشعراء المداحين "أعطه ألف درهم يا غلام". النظام السياسي الأردني وعن طريق الديوان الملكي وباستخدام اسلوب العصى والجزرة تمكن من الأردنيين وحول المعارضين التاريخيين للنظام الى مؤيدين تأييدا أعمى له وحول من المؤيدين الى رداحين يقولون في النظام ما ليس فيه وينظمون الشعر ويطوعون اللغة العربية لإبراز صور مجازية وبلاغية عن النظام وقيادته لم يقولها أصحاب المعلقات أو عمالقة الشعر والنثر في التاريخ العربي القديم والحديث. صورة النفاق لأولي الأمر تتكرر على مستوى كل مؤسسة ودائرة وجامعة فهم جميعا يقلدون من هم أعلى منهم رتبة ومنصبا فالوزير يقلد الملك في وزارته والأمين العام يقلد الوزير ومدير الدائرة يقلد الأمين العام وهكذا دواليك. تبا لكم أيها المنافقون فوالله أنكم أكثر عداء للوطن والنظام من اليهود والصهاينة ونعتقد بأن طرب أولي الأمر في الأردن للمديح الزائف وتكريم المادحين والمنافقين على حساب الأردنيين الآخرين الذين تأبى كراماتهم ومروءتهم أن يأتون بسلوكيات رخيصة تذهب عزتهم وكرامتهم. وأخيرا نقول بأن النفاق هو استعباد وعبودية وعلى أولي الأمر أن يتذكروا قول الفاروق عمر ابن الخطاب متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا كما أن على المنافقون أن يعلموا أن لا قيمة للفتات والمواقع الزائفة التي تأتي بها سلوكياتكم النفاقية وأن هذه المكتسبات إذا ارتأيتموها مكتسبات كان يمكن أن تنالوها بكرامة صبركم وعزتكم وإيمانكم بأن الله هو المعطي وهو الوهاب.