مجتمع الكراهية
خالد عياصرة - خاص
يسافر الإنسان لهدف، القرار بحد ذاته يكون مصيريا أقرب إلى المغامرة التي لا يعلم أحد شط نهايتها.
يحزم أمتعته، كما أمره، ويسافر إلى حيث المجهول الذي لا يعرف تفاصيله، ولا حيثياته، ولا سلبياته ولا ايجابياته.
يخرج الانسان من وطنه حالما بغد أفضل عجز او أعجز عن صناعته، ليرتد بعدها من حيث أتى، غد يسهم في رسم ملامح جديدة.
تتلاطم أمواج حيرته، في بلد غريبة عليه يجهلها كما تجهله،على الرغم من وداعتها وجمالها وحنوها، الا انها أبداً لن تكون كما هو الوطن.
يستقر الأردني ويبدأ عمله.
بعد مضي قصدا من الزمن يتسلل اليه الشوق والاشتياق، فتبدا الغربة تنسج خيوطها لتسيطر عليه، وعلى تفكيره.
هنا، يفكر بالاتصال بمحيطه، فمن هندي إلى مصري إلى بكستاني إلى روسي وامريكي وبريطاني إلى لبناني إلى فلسطيني، يختلط بالجميع، لكنه يرتاح إذ يجد أردنيا يتوحد مع حاله وتجربته.
يفتح له ذراعية مرحبا، يكرمه ، وكأنه أبن أمه، يبث له مكنون صدره، وإن شعر لوهلة بأنه يعاني سارع لانتشاله من حفر همه، لا حبا به، بل إكراما لوطني في غربتي.
قد تكون السطور لدى البعض بمثابة خاطرة ـ لكنها للبعض الأخر حقيقة واقعية يستشعرها كل من عانى صنوف الوانها.
وإن كانت الصورة العامة تقول بأن الجميع يحمل في جيناته عين الخلايا وعين الأفكار وعين الاساليب التي تجعل من الأردني عدو لأخيه الأردني في بلاد غريبة جمعتهما، غلبته المصالح وسيطرت عليه الاحقاد.
لنأخذ مثلا بسيطا على ذلك ...
في ليله هادئة ابحرت فيها برفقة الروائي العظيم أمين معلوف واصداره الاخير "التائهون" رن هاتفي.
مرحبا، أهلا وسهلا يزن - شاب سوري - هكذا كان الجواب.
يزن: خالد هناك على شاب أردني بحاجة إلى مكان ينام فيه، فصاحبة المنزل قامت بطرده منه، ولا يجد مكانا يذهب اليه.
خالد: ماذا تقول أردني، أعطني الهاتف، مرحبا أخي، هل بإمكانك حمل حقائبك والقدوم إلي الأن، لا تبقى حيث أنت، أهلاو وسهلا بك.
مرت دقائق معدودة وإذ بالشباب يطرق باب الغرفة، لا يحمل بيده شيئاً، رحبت به، ودعوته إلى الجلوس، عملت له فنجانا من القهوة، وقمت بتعريفه على نفسي، وفعل هو عين الامر، إنتهى اليوم الأول على خير.
الشاب لطيف للوهلة الأولى، تمضي الأيام، وينقلب الحال، وإذ بالمسكين يتحول إلى وحش، سكير عربيد، أبن ليل، صاحب كأس، يقضي جل وقته باحثا عن النساء، لا يصحو، ومن أرباب النوادي اليلية.
يا لها من مفاجئة ، ما الذي فعلته يا خالد نفسي تخاطب نفسي، لما فتحت له الباب.
أقفل باب الحوار، بحجة أن أبن بلدي بحاجة لي، كيف أتركه، كيف لا أمد له يدي.
هذه صورة ومشهد واحد لا ينطبق على الجميع، لكنه موجود وبكثرة.
صورة أخرى ومشهد أخر، لها صلة بالعمل، فالذي يهدد الأردني، حتما لن يكون سوريا أو مصريا أو هنديا بل أردني، الذي يغلق الابواب أردني، الذي يبتدع الافلام والاسافين أردني، صورة يحملها الاردني عن أخيه أينما ذهب.
أنظر إلى علاقة السوداني بالسوداني أشعر بشي من الغيرة، أنظر إلى الباكستاني وعلاقته مع أخيه اشعر بخيبة أمل، أتطلع على علاقة اللبناني مع أبن بلده يسيطر علي يأس ، أنظر إلى علاقة الأردني مع الأردني أقف حائرا وجلا غير قادر على التفسير.
الأغلبية يشدون أزر بعضهم البعض، يفكرون ببعضهم البعض، يساعدون بعضهم البعض، إلا نحن، نحفر لبعضنا البعض، نحقد على بعضنا البعض، نغلق الابواب بوجه بعضنا البعض، الأردني على الأردني ثقيل كما يقول المثل!
مجتمع كراهية يسيطر عليه الحسد والنفاق والكذب والمظاهر الخاوية ، مقابل دفن مقصود، لجماليات النفس الأردنية، ووأد لسماتنا السمحة مع سبق اصرار وترصد.
مجتمع يتعاطى الكراهية والحقد ويقتات على بقايا الأنسانية التي غلبت عليها الطبائع المادية والنميمة، فضلت أكل لحوم الأحياء كما الأموات، دون مكترثين بنواتجها وأثرها.
بعد كل هذا يوقن الفرد فينا أن البعد أسلم، ففي القرب انتحار وخسارة قد لا يشعر بها من يتصفون بهذه الصفات، لأنهم اضحوا بمثابة "مسخ " تجرد من انسانيته وأخلاقه، أو آلة يسيطر عليها مبدأ الربح المادي لا علاقة له مع إسقاط كل ما له علاقة بالامسان الذي خلق في أحسن تقويم.
خالد عياصرة
kayasrh@ymail.com