ثارت عقب أحداث جامعة الحسين ألمؤسفة ولا تزال تساؤلات تمحورت حول عدم تدخل مستشارية شؤون العشائر مباشرة في الجهد العشائري لاحتواء الأزمة ، ودارت التساؤل الأكثر إلحاحا عن موقف مستشار جلالة الملك لشؤون العشائر سيادة الشريف فواز زبن عبدالله بالذات ، وعدم تدخله شخصيا لمنع التداعيات المحتملة للأحداث باعتبارها الأخطر والأكثر دموية ، وقد فسره المتسائلون كل على طريقته، وذهبوا فيه مذاهب شتى.
المتسائلون لم يذهبوا بعيدا ولم يطلبوا مستحيلا أو ينكروا دور المستشارية بتنظيم ومتابعة العادات العشائرية، والإشراف على تنفيذها، لكن سيادة المستشار يفهم معنى تدخله الشخصي غير ما فهمه أولئك المتسائلون، وهو فهم نابع من سعة علمه ومعرفته بطبائع العشائر فيما يرتبط بمسألة العنف المتكرر الذي لا تبدو له نهاية ولا حدود، وليس ذلك بغريب، فالكل يعلم انه أمضي عقودا في هذا العمل المتخصص، وليس هنالك أدنى شك في أن حوادث ألدم المؤسفة تلسع نفسه كالنار كما تلسع كل الأردنيين ...فما الذي أعاقه إذن؟ ولماذا وضعت كل هذه علامات الاستفهام ؟.
لقد جعلت ظاهرة العنف الحليم حيرانا ،وعقد اليأس من حل المشكلة ألسنة الحكماء وشّل تفكيرهم ،وسارت المصائب بلا انقطاع ،وفشلت جميع الدراسات واللجان والأبحاث، وعجزت وسائل المنع، وتعثرت جهود الملاحقة والضبط ،فلا تكاد تنهض إلا لتكبو، ولا تكاد تمضي إلا لتقف ،ولا أحد يعرف إلى الآن الأسباب الحقيقية للمعضلة ولا طرق الحل، وهنا يكمن جوهر الإجابة عما يتساءلون.
أحداث جامعة الحسين كانت غيض من فيض العنف، ولو ترأس سيادة المستشار الجاهة إلى مضارب الحويطات لكان ذلك سابقة يترتب عليها عبئا لاحقا لا طاقة له به، يتطلب ترأس مثلها الكثير في المستقبل، وسيدخل في متاهات انتقائية شائكة، سوف تعمق الأزمات، وسترتبط بأهمية العشيرة ونفوذها ،ولسوف تتهم المستشارية برفع العشائر بعضها فوق بعض طبقات،والتمييز بينها، أضف إلى ذلك الرغبة في تجنب ظاهرة تقطيع ألوجه، التي أصابت ألعادات العشائرية وما تعنيه من عدم التزام أطراف النزاع بشروط ألعطوة، وهو أمر على غاية الأهمية وبالغ الحساسية بالنسبة لشخص المستشار.
ربما يكون هذا هو التفسير الأقرب للعقل والمنطق، ويمكن استنباطه من ثبات موقف ألمستشارية إزاء العنف العشائري، وهو موقف واضح جلي لا غموض فيه ولا إبهام، وقد فعلت ألمستشارية فيما يرى كثيرون عين الصواب في التعامل مع الواقعة ،كما تعاملت مع غيرها من والوقائع المماثلة التي تجتاح كل أنحاء المملكة، استنادا للأسباب الموضوعية البحتة آنفة الذكر، وعلى اعتبار أن المستشارية هي ألجهة الوحيدة الممثلة للقصر الملكي بهذا الشأن، وهي كعادتها تحاول الحفاظ على مبدأ الوقوف على مسافة واحدة من جميع العشائر الأردنية بلا استثناء، وحرصا منها بأن لا يميل ميزانها، وان لا يكون التدخل المباشر في هذه الأحداث فاتحة لأسلوب تعامل جديد لا عهد لها به، ولن يزيد الأوضاع إلا سوءا.
ظهرت قبيلة الحويطات كما هي دائما بيضاء الوجه. وفهمت المسألة فهما دقيقا نابعا من أصالتها وعراقتها وحكمة شيوخها، واستقبلت ألجاهة الوطنية الكبرى التي ترأسها النائب زكريا الشيخ بالحفاوة والتكريم، وليس ذلك بغريب ،فهي القبيلة الأولى التي كانت لها بصماتها الواضحة بوضع حجر الأساس لبناء الدولة الأردنية، وكانت في مقدمة العشائر التي استقبلت المؤسس جلالة الملك عبدالله الأول طيب الله ثراه.