توصية مجلس النواب الأردني، بالعمل على طرد السفير الإسرائيلي من عمان، واستدعاء السفير الأردني من تل أبيب، قرار جريء، غير مسبوق له معان ودوافع سياسية وطنية وقومية، سيشكل بداية تحرك، وبداية موقف على طريق "بداية الرقص حنجلة".
فالتوصية تمت من قبل مجلس النواب الذي أقر معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية العام 1994، وهو الذي منحها الشرعية والاستمرارية حتى يومنا هذا، ورئيس مجلس النواب سعد هايل السرور، سبق وأن أقر البرلمان المعاهدة حينما كان رئيساً له، وغاب عن المجلس ليكون وزيراً للداخلية، وها هو يعود لرئاسة مجلس النواب، لتتخذ التوصية في عهده أيضاً، واللافت للانتباه أن مجلس النواب الأردني أقر المعاهدة بواقع 54 نائباً من أصل 80 نائباً أعضاء مجلس النواب في ذلك اليوم، أما اليوم فالتوصية بطرد السفير الإسرائيلي من عمان واستدعاء السفير الأردني من تل أبيب تمت بإجماع 150 نائباً أعضاء المجلس مجتمعين.
قد لا تكون التوصية ملزمة للحكومة، أو قد يتم التوصل إلى تسوية في كيفية التعامل معها، وقد لا تؤدي إلى إلغاء معاهدة وادي عربة، ولكنها بداية عمل سياسي شجاع في مواجهة المشروع الاستعماري الإسرائيلي ومشاريعه التوسعية، وإجراءاته العدوانية، وسيكون لها أثر بالغ في كسر الجمود العربي في رفض السياسة الإسرائيلية، وفي تغيير صيغ التعامل العربي مع إسرائيل.
لم يكن لمجلس النواب الأردني قيمة سياسية كبيرة، مثله مثل سائر البرلمانات العربية الشكلية، في عهد ما قبل الربيع العربي، ولكن مجلس النواب الأردني اليوم، ورغم تشكله من قوى محافظة ووسطية وغياب معارضة حزبية يسارية أو قومية أو إخوان مسلمين جدية، ولكن التصويت على منح الثقة للحكومة دلل على وجود معارضة جدية حتى ولو لم تكن لها أصول أو دوافع حزبية منظمة ولكنها بداية لوجود تباينات داخل المجلس تعكس التعددية في المجتمع الأردني، ولكنها فيما يتعلق بفلسطين، فالجميع موحد في دعم وإسناد الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية وحماية مقدساته الإسلامية والمسيحية، وصموده على أرضه، مثلما يقف الجميع البرلماني، ضد السياسة العدوانية الاستعمارية التي تنتهجها حكومة نتنياهو السابقة واللاحقة، وغدت مظاهر التوسع والاستيطان سياسة رسمية معلنة لحكومات إسرائيل التي لا تحترم معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية ومتطلباتها ودوافعها، وفي طليعتها وسبب التوصل إليها وحجتها، التوصل إلى اتفاق فلسطيني إسرائيلي يؤدي إلى ولادة دولة فلسطينية وفق اتفاق أوسلو، وما دام لم تصل الخطوات الإجرائية إلى هذا الهدف، وتؤدي إلى تكريس الاحتلال ومشاريعه التوسعية الاستعمارية، وتنسف السياسة الإسرائيلية دوافع معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية ومبررات وجودها وذرائع التوصل لها، فسيؤدي ذلك إلى تغيير الموقف إلى إعادة النظر بالمعاهدة وصولاً إلى إلغائها كما حصل مع المعاهدة الأردنية البريطانية العام 1956.
السياسة الإسرائيلية لا تفهم قول كبار القادة الأردنيين حينما يقولون إن قيام دولة فلسطينية على الأرض الفلسطينية مصلحة إستراتيجية عليا للدولة الأردنية، وأكثر من ذلك فهم لا يحترمون حتى بنود المعاهدة الأردنية الإسرائيلية التي تتحدث عن مسألتين جوهريتين:
أولاهما: تشكيل لجنة رباعية أردنية إسرائيلية فلسطينية مصرية لعودة النازحين الذين خرجوا أو طردوا بعد حرب حزيران 1967، ويجب تسهيل عودتهم إلى الضفة والقدس والقطاع، وهذا لم يحصل للآن.
وثانيهما: احترام المقدسات الإسلامية والمسيحية باعتبار مرجعيتها أردنية حتى تقوم الدولة الفلسطينية، فالاعتداء على المقدسات من قبل الإسرائيليين يشكل عامل استفزاز وطنياً وقومياً ودينياً للأردنيين يصعب السكوت عليه وتمريره، وهذا هو الذي دفع مجلس النواب الأردني كي يتخذ قراره وتوصيته.
قرار مجلس النواب الأردني، وتوصيته سيشكل عامل إحراج للحكومة الأردنية، مثلما سيشكل حوافز للبرلمان المصري، وعامل إحراج كبيراً للإخوان المسلمين في مصر وغيرها، وسيضع ملف العلاقات العربية الإسرائيلية على طاولة البحث والاهتمام، رداً على الإجراءات والسياسات الإسرائيلية نحو القدس وسائر المناطق الفلسطينية مثلما شكل رداً على مبادرة وفد الجامعة العربية برئاسة قطر لعرض التبادلية في الأرض مع الإسرائيليين نزولاً عند ضغط الأميركيين وتحركات الوزير جون كيري.
توصية مجلس النواب الأردني، تشبه مبادرة التونسي محمد بو عزيزي الذي حرق نفسه احتجاجاً على إجراءات البلدية، فكان استشهاده الشرارة التي فجرت الثورة التونسية، والشرارة التي فجرت الربيع العربي وأسقطت أنظمة السلام العربي مع المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي.