إختصرت زيارة رئيس الوزراء ، فايز الطراونة إلى رام الله ، يوم الخميس 4/ تشرين أول الجاري ، إختصرت المسافة الزمنية التي تفصلنا عن فلسطين ، وعبرت عن عمق المصالح والروابط بين عمان والقدس ، الشعب ، العنوان ، القضية ، مواجهة الواقع والتصدي له ، ورصف مداميك للمستقبل المشترك لشعبين لا يستطيعان الأنفصال ، لا في السياسة ولا في الدم ، لا في الواقع ولا في الحياة .
فايز الطراونة ، كان على رأس وفد وزاري ومن الخبراء والمختصين ، ووقع مع رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض ، وبإشرافهما وتحت رعايتهما ، وقع وزراء الصناعة والتجارة والزراعة والتنمية والصحة على 12 إتفاقية ومذكرة تعاون وشراكة تشمل النقل والطاقة والدواء والبيئة والمعابر وتدريب الكوادر ، ومراقبة الشركات ، والمواصفات والمقاييس والأستثمار ، وإستمرار التنسيق في عمل وأنشطة المنظمات الأقتصادية العربية والأقليمية والدواية ، بما يحقق المصالح المشتركة ، وهي مثلها مثل العديد من الأتفاقات المماثلة مع بلدان شقيقة وصديقة ، ولكن كما قال وزير الزراعة الأردني إبن معان أحمد آل خطاب الذي زار فلسطين مرتين خلال الأسبوعين ، الأولى بمفرده كي يطلع ويلخص ويحدد أساسات العمل ومهامه ، وأولوياته ، والثانية كي يوقع مع رئيسه الطراونة ، قال " ثمة نكهة للتوقيع ، وثمة مسؤولية في المضامين ، وثمة واجب علينا القيام به لشعب يتعذب ويكافح ويحفظ كرامته لكرامتنا ، ويحمي مقدساته وهي مقدساتنا ، ولذلك ثمة معنى للزيارة وللإتفاقات والعمل على تنفيذها برغبة وقوة لأنها جزء من معركة البقاء والصمود والمستقبل " .
كان يمكن أن لدورة اللجنة المشتركة الأردنية الفلسطينية الثالثة أن تعقد في عمان كسابقتيها ، ولكن مبادرة الجانب الأردني أن تعقد في رام الله ، بتوصية من سفيرنا الشهم عواد السرحان ، فاجأت الجانب الفلسطيني ، وأسعدته ، وأشعرته بالثقة بنفسه ونحو برنامجه الوطني ، ودللت على مدى تفهم عمان لتطلعات الفلسطينيين وأولوياتهم .
قرار رئيس الوزراء أن يوقع في رام الله ، قرار سياسي أردني بإمتياز ، ولدوافع سياسية وطنية وقومية ، سياسية وعملية ، مبدئية وبرجماتية ، يقف في طليعتها عدة عوامل أبرزها :
أولاً : أراد توصيل رسالة سياسية قوية ، تأكيداً وتعبيراً عن خطابات جلالة الملك أمام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي ، وتوصيفاً لها ، وتطبيقاً عملياً لمضامينها السياسية .
ثانياً : وعليه أراد أن يقول أن هناك شرعية فلسطينية واحدة نعترف بها ونتمسك بدورها ، وننحاز لبرنامجها ، ونحفظ لها مكانتها ، ممثلة بمنظمة التحرير وقيادتها ورئيسها ، وسلطتها الوطنية وحكومتها الأئتلافية ، في رام الله ، ولا شرعية ولا مساس ولا مكانة في عمان لغيرها على أرض فلسطين .
صحيح أن هناك فصائل وتنظيمات وأحزاب فلسطينية نحترمها ولا ننحاز لواحدة منها على حساب الأخرى من فتح إلى حماس إلى الشعبية والديمقراطية والجهاد والمبادرة وحزب الشعب والتحرير الفلسطينية والتحرير العربية ، ولكنهم فصائل ومكونات لشرعية واحدة لا تتجزأ ، ونأمل أن تنتهي بينهم أدوات الأنفصال أو الشتت ، ويستعيدوا وحدتهم وفق الأتفاقات الموقعة والتي توصلوا إليها برعاية مصرية ، كما قال الرئيس لمضيفيه ، وفق مستشاره الأعلامي محمد المومني .
ثالثاً : أراد أن يقول ويعمل على توضيح موقفنا على أننا لسنا محايدين في الصراع الفلسطيني الأسرائيلي ، بل نحن نرفض الأحتلال وبكافة أشكاله وألوانه وتوسعاته وإستيطانه ومحاولاته لتهويد القدس وأسرلتها ، والغور ، وتسمين الأستيطان على أي جزء من أرض فلسطين ، وأن الحل واضح يتم عبر تنفيذ قرارات الأمم المتحدة بإعتبارها المرجعية وأدوات الفصل على العناوين الخلافية وقضايا الصراع ، بدءاً من قرار التقسيم 181 ومروراً بقرار حق عودة اللاجئين 194 وقرار الأنسحاب وعدم الضم 242 وحل الدولتين 1397 وخارطة الطريق 1515 ، ولا مجال لحلول تفرضها موازين القوى والأمر الواقع والأستئثار بالأرض وتغيير المعالم وتبديل المفاهيم ، فطريق السلام بالمعايير والمفاهيم والمواقف الأردنية ، هي قرارات الأمم المتحدة ذات الشأن وهي منصفة للطرفين ، وبذلك ، وبهذا المعنى والمضمون نعبر عن إنحيازنا للجانب الفلسطيني ومشروعية مطالبه ومصالحه وتطلعاته .
رابعاً : لقد عبر الموقف الأردني بوضوح بالغ عن دعمه لبرنامج منظمة التحرير وسلطتها الوطنية ، برنامج دعم الصمود على الأرض ، وبناء المؤسسات للشعب ومن داخل مساماته ، بإعتبارها المقدمات الضرورية والأدوات التمهيدية لمشروع الدولة المنشودة ، وذلك عبر رفض وسائل وأساليب الأحتلال المنهجية بجعل الأرض الفلسطينية طاردة لأهلها ، والعمل على نقيص ذلك أردنياً عبر العمل لجعل الأرض الفلسطينية جاذبة لأهلها وسكانها ، وثمة مصلحة ودور أردني بارز في هذا المجال نعمل من أجله وتثبيته علناً وبلا تردد أو مواربة .
ثمة ترابط بين أمن الأردن ، وأمن فلسطين ، ولذلك يتخذ الأردن سياسة هجومية متزنة فاعلة منهجية في دعم صمود الشعب العربي الفلسطيني على أرضه ومن خلال مؤسساته ، وهو جوهر السياسة الأردنية المعبر عنها بخطابات جلالة الملك أمام المحافل والمؤسسات الدولية ، ومن خلال تطبيقاتها الحكومية والمؤسسية ، في تدريب الكوادر ورفد الخبراء والأسهام في بناء المؤسسات ، وهذا ما سعى له الوفد الحكومي رفيع المستوى برئاسة فايز الطراونة رئيس الوزراء الأردني أن يقوله ويفعله في فلسطين بإسم الأردن : الشعب والدولة والحكومة .