موسم الحج إلى دولة الكيان الصهيوني فريضة عينية في حق الزعامات الأمريكية جميعها، ومن لم تسعفه ظروف الحج العلني حج إليها سرَّا، أو أرسل مَن ينوب عنه في أداء هذه العبادة الراسخة.
في جولته الأولى 2008م جاء الرجل حاجًّا يُقبل التُّراب الطاهر تحت الأقدام النّجسة، يلهج لهم بالتّمتمات والتراتيل التي لا تصح الزيارة إلا بها: أمنُ إسرائيل مِن أمن أمريكا.. الحق اليهودي في أرض المعاد أزلي.. إسرائيل حَمَلٌ وديع عاني الأمرين، وآن لدول الجوار أن تؤمِّن له الراحة.. والهولوكوست مظلمة اليهود الكبرى هي الشهادة التي تؤهل العرب وغيرهم لدخول قلب الغرب عموما وأمريكا خصوصا .. إسرائيل حليف استراتيجي لا سبيل إلى فكِّ الارتباط معه.
ثم انتقل إلى القاهرة ليخطب في الأزهر، ويدغدغ العواطف، ويضحك على اللحى المغفلة، ويقود مِن الأذن سياسة النظم الخاضعة لإرادة القوة، لا لمقتضى العدل والحق، ويطلق في فضاء الوهم حمامة السلام.. يمدُّ بها يد المصالحة مع الإسلام، وهو يخوض حربه القذرة في أفغانستان، وينفّذ وُعوده بالانسحاب من العراق، ليقدمها على طبق من ذهب لسلطة الملالي في إيران.
لم يقدّم للفلسطينيين شيئا غير الوعود بدولة في مكان ما، وعلى جميع الأطراف أن تبذل جهودها للتعجيل في ميلادها، وهو ودولته داعمون لها بكل قوة، ويبتهلون للقابلة أن توفّق لهذا بظهر الغيب.
انكفأ الرجل بعدها لهمّه الداخلي، ولم يلتفت إلى الوراء إلا في اللحظة التي تغلبه فيها جذبة الحنين؛ ليتفقّد الحبية إسرائيل، التي تموت رُعبا وهي تمطر غزة بفسفورها، وترتعد خوفا من عيدان الثقاب بأيدي أطفالها، ليُدِين الإرهاب الفلسطيني، وينصب جسره الجوي لدعمها في حربي غزة 2008-2012م.
يعود الرجل إلينا في جولته الثانية، ليعيد على أسماعنا ذات التراتيل، ويعزف نفس المقطوعة، ويتكلم في كل ربع ساعة عن إسرائيل ثانية ونصف عن الفلسطينيين، طالبا من الجميع جهارا اعترافا بيهودية الدولة، ويطلب منهم أن يشهدوا معه جنازة حق العودة، ويكسبوا شرف إهالة التراب على جثمان الحلم الميت، وهذا غاية المطروح سياسيا في ظل الدوّامة الدائرة في البيت العربي.
الإنجاز الحقيقي لأوباما أنه لا يبدي أدنى مستوى من الضغط على الصهاينة على غير عادة الزعماء الأمريكان في ولايتهم الثانية والأخيرة، لكن برودهُ قاتل في شأن الوضع الملتهب في سوريا.. تموت على حدودها قيم الديمقراطية الأمريكية، وأبجديات حقوق الإنسان.
الخبث في الموقف الأمريكي للأسف يجسده شخصٌ من المفترض أنه نتاج معاناة، وعنوان اضطهاد، وبرهان على همجية السياسة الغربية، ومن المتوقع أنه يحمل في ذاكرته معاناة أجداده، ويستحضر مظلومة الشعوب الضعيفة في مخلب الجارح اللاأخلاقي، لكنه بدل ذلك - للأسف - يدخل في حلف دولي لوقف التحولات الجارية في المنطقة العربية؛ لمنع استمرارها وكسر موجتها في سوريا والأردن و...، ولإفشال التجارب التي استطاعت أن تخطو خطوتها الأولى خارج السطوة الاستعمارية في مصر وتونس وليبيا واليمن.
في تقدير أوباما أن المنطقة تعيش ذروة أزمتها، وهي مهيأة لقبول الإملاءات المطروحة في القضية الفلسطينية، فدول الربيع منشغلة بهمومها، وسوريا تنزف وتنزف بصورة تُرضى أمانيه، لتروح في غيبوبة لسنوات طويلة قبل التعافي، وتهديد المدللة إسرائيل بعد حياد عمره 40 سنة، ودول الخليج مرعوبة من انتقال العدوى لرئتها، ومضبوعة أمام العمائم السود في إيران والعراق، وهي مطاوعة سلفا لتكون في المقعد الخلفي للحافلة الأمريكية.
الأردن للأسف هو الحلقة الأضعف في المعادلة السياسية، وهو غير مؤهل للركوب، لكنه يعدو خلف المركبة، وهو الآن معزول عربيا وإقليميا، ولا يخفى هذا على أحد، لدرجة أن الدولار القادم من عباءة النفط لدعم موقفه لا يكون إلا بإشارة مباشرة من العم سام، ويبدو أنه قرر دعوة الأردن لتنفيذ جملة من المهمات في الشأن الفلسطيني والسوري معا، ولا يملك النظام إلا الرضوخ لها، بعد أن أرهق بنيته الداخلية.
منذ أن أُعلن فوز أوباما في دورته الأولى 2008م، لم أكن متفائلا أبدا، عكس مهرجان الآمال الذي أقامه الإعلام الرسمي العربي، حيث دخل أحد الزملاء غرفة المعلمين، لحظة إعلان النتيجة، فأمسكت القلم وكتبت خطرات شعرية مطلعها:
مبروكٌ لإسرائيلْ
من بحارِ الهندِ والأطلنطِ إلى مضيقِ الدردنيلْ
حُزْتِ فوزاً مُستحيلْ
فاز أوباما، وساد العلج زنجيٌّ مِن الزطِّ سـ...يلْ
إلى أن قلتُ: يا بَني الأعْرابِ مهلاً ، لا تُغالوا..
طَامِنوا مِن ذا الهَديلْ
وارْقُبوا سُمّاً بِشهدٍ، وَيْحَكمْ!!
أعقبَ النبحَ العَوِيلْ.
لا ترجّي خيرا يا أمة العرب.. أيها الفلسطينيون .. أيها الأردنيون، هيِّئوا الأعناق، لم يأتكم أوباما إلا بالمقصلة.
23/ 3 / 2013م