أول وكالة اخبارية خاصة انطلقت في الأردن

تواصل بلا حدود

أخر الأخبار
ارتفاع طفيف على درجات الحرارة مع أجواء باردة نسبيًا في أغلب المناطق نواب يناقشون اليوم (اكتوارية الضمان) واتفاقية نحاس أبو خشيبة جدل واسع حول إلغاء مئات الشهادات التركية وفصل طلبة جامعيين… دعوات لإصلاح منظومة اعتماد الشهادات الأجنبية إصابة خطيرة في مشاجرة مسلحة داخل مخيم البقعة والقوات الأمنية تعزز انتشارها أحدهما طفل .. استشهاد فلسطينيين برصاص إسرائيلي في الضفة الغربية- (صور وفيديو) تقرير: إسرائيل حاولت منع رفع العقوبات عن سورية وترمب رفض وفاة طفل اثناء عبثه بسلاح والده في جرش العدل الأميركية: سنكشف وثائق التحقيق بمحاولة اغتيال ترمب الأمن السوري يقبض على شبكة تهريب أسلحة في قدسيا المعايطة: الإرهاب لا يعرف حدوداً والأردن كان في خط المواجهة الأول أبرد أيام الشتاء تبدأ في الأردن غدا الأحد فصل التيار الكهربائي عن مناطق بالأغوار الشمالية غداً شتيوي: إعلان نتائج الحوار الوطني بشأن تعديلات قانون الضمان الاجتماعي في شباط الامارات : إلزام 5 متهمين انتحلوا صفة «الشرطة» برد 600 ألف درهم إلى ضحية سرقة ورشة تدريبية في التصوير الفوتوغرافي لمعلمي برنامج بيتك روبيو يؤكد أهمية تدفق المساعدات وبدء عمليات إعادة الإعمار بغزة جيش الاحتلال يزعم اعتقاله شخصا ينتمي لتنظيم داعش في سورية ويتكوف: اجتماع ميامي دعم تشكيل مجلس السلام بغزة رئيس وزراء لبنان: نقترب من إتمام المرحلة الأولى من حصر سلاح حزب الله السعودية : ضبط 17880 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال اسبوع
الصفحة الرئيسية فعاليات و احداث حوار حول مؤلفات الدكتور عمر عبد العزيز

" إن الثقافة العربية الإسلامية هي ثقافة عميقة جدًا وكبيرة وثقافة إنسانية"

حوار حول مؤلفات الدكتور عمر عبد العزيز

02-05-2025 08:44 AM

زاد الاردن الاخباري -

حاورته: د. أماني محمد ناصر - شخصية بارزة في مجالات الصحافة والأدب والفن التشكيلي، حيث يتمتع بموهبة وإبداع ملحوظين. يُعتبر واحداً من أبرز الإعلاميين والكتّاب والفنانين العرب الذين تركوا بصمات قوية وملهمة في منطقة الشرق الأوسط.
تتميز كتاباته الأدبية والنقدية بجاذبية وتأثير عميق، حيث قدم مجموعة من الأعمال التي تعكس رؤيته الفريدة وتحمل رسائل مهمة. لكن إبداع الدكتور عمر لا يتوقف عند الكتابة فقط؛ فهو أيضاً فنان تشكيلي بارع. يعبّر من خلال أعماله الفنية بأساليب متنوعة، وتتميز أعماله بالابتكار، حيث يتناول مواضيع مختلفة بطرق مبتكرة تعكس رؤيته الفنية الفريدة.
من أبرز أعماله الأدبية روايات مثل "سلطان الغيب"، "الحمودي"، و"الغبار"، بالإضافة إلى كتب نقدية مثل "انتباهاً"، "اللغة العربية بين المنظور والمسطور"، و"الصومال من منظور أنثروبولوجي".
حصل على درجة الماجستير في العلاقات الاقتصادية الدولية والدكتوراه في العلوم الاقتصادية. يشغل حالياً منصب رئيس قسم البحوث والدراسات في دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة.
كان لنا هذا الحوار الشيّق معه.

1. دراستك كانت بكالوريوس في العلاقات الاقتصادية الدولية وماجستير في النظرية المالية ودكتوراه في فلسفة العلوم الاقتصادية، كيف تتداخل مجالات دراساتك العملية هذه، مع كتاباتك ومؤلفاتك الأدبية والفكرية؟
- هذه الحالة لها علاقة بطفولتي المبكرة لأنني في هذه المرحلة كنتُ في المدرسة الإيطالية في العاصمة "مقديشو" حين كان الصومال الجنوبي تحت الحكم الإيطالي، فهذه المدرسة وفرت لي علاقة خاصة بتعددية اللغات، لأنها كانت باللغة الإيطالية، ولكننا كنا ندرس الدين الإسلامي واللغة العربية كمواد منفصلة، ثم إننا كنا نتحدث باللغة الصومالية وهي من اللغات "الكوشية" التاريخية في مقديشو، وتبعًا لذلك نشأ ما يمكن أن أسميه بتواصل الخوارزميات الصوتية والبصرية لعديد من اللغات منذ الطفولة المبكرة، وأعتقد أن هذه الظاهرة كانت وما زالت موجودة في كثير من بلدان العالم وخاصة في ظل تزايد الهجرات وتناميها. وبالتالي أعتقد أن التصالح هو بين مستويات وأنساق المعرفة التي تبدو متباينة ومتباعدة لكن هذا التصالح بينها أظهرها على أنها في نهاية المطاف ترتكز على قاعدة محكومة ببرنامج واحد، البرنامج اللغوي على سبيل المثال للصومالية والإيطالية والإنكليزية والعربية والرومانية هو برنامج واحد في نهاية المطاف، مما هو واضح في علم اللسانيات. أعتقد أن ذلك كان المقدمة الأساسية لعلاقتي التالية بدراسة العلوم والرياضيات على وجه التحديد، وأذكر أنني في مرحلة من مراحل دراستي الثانوية كنتُ مدرسًا للرياضيات، وأعتقد أن هذه المسألة كان لها علاقة باللسانيات وبالموسيقى بالمعنى الواسع للكلمة، وأذكر تمامًا أن الموسيقى التي كنتُ أستمع إليها منذ طفولتي كانت على مختلف السلالم الموسيقية العربية الشرقية التي كانت حاضرة عبر الإذاعات، والسلّم الخماسي الصومالي كان حاضرًا عبر إذاعات مقديشو، والموسيقى الإيطالية بسباعيتها الموسيقية حاضرة في أذهاننا آنئذ. وبالتالي شكّل كل ما سبق مقدمات لعلاقتي اللاحقة بالعلوم الرياضية والعلوم الاقتصادية والعلوم الإبتستمولوجية بالعلم العلمي البحت، ولكنها لم تكن في تناقض على الإطلاق مع العلوم الإنسانية وعلوم التجريدات إن جاز التعبير وبالتالي، إن حالة التماهي بين الملموس والمجرد كانت واحدة من العناصر الأساسية في صيغتي الذاتية التي كانت قدرية وتلقائية ولا إرادة لي فيها.
2. كتابك "منازل الرؤية" هو وقفة أمام تعددية الرؤى ووحدة المعنى عند بعض القامات الفكرية في تأكيد على أهمية التنوع في الرؤية، كيف يربط الدكتور عمر بين الفرادة والجمع في سياق الرؤى المختلفة؟
- في حقيقة الأمر أن كل ما هو في الوجود قائم على خصوصية معينة، أي أن هناك فرادة مطلقة في كل الأنواع والكائنات ويمكن أن نلمس تميميتها الحقيقية على سبيل المثال في أشكال الفراشات في الجنسية نفسها، فإذا وجدنا فراشة مثلًا من الجنس واللون نفسه سنجد أنه ما من ريشة تشبه الأخرى لهذه الفراشة أو تلك، وينطبق الأمر أيضًا على بصمات الأصابع وبصمات العيون للبشر، فمهما كثر الناس وتعددوا هناك دائمًا خصوصية لكل فرد، ولكل كائن، وأيضًا أحجار العقيق أشكالها لا متناهية في التعدد، وتبعًا لذلك نحن هنا أمام الخصوصية وأمام الفرادة، لكن هذه الخصوصية وهذه الفرادة لا يمكن أن تتم إلا من خلال النظر إلى الجمع في عين الفرق كما يقول المتصوفون، الجمع في عين الفرق يعني تمامًا أن هنالك برنامج مشترك كوني إلهي يوحّد الكائنات والنباتات والأشكال المختلفة في نسق واحد وإن كانت تبدو متباينة، وقد كان العبقري الروسي "ديميترى ايفانوفيتش مينديلييف" مساهمًا كبيرًا في تأكيد هذه الحقيقة من خلال الجدول الدوري للعناصر الكيميائية، ففي هذا الجدول تفكيك منهجي وبنيوي لعناصر الوجود الكيميائية ولكن هذه العناصر موجودة في كل الكائنات على الإطلاق وحتى في الحجر والماء والهواء، وتبعًا لذلك هو أكد أننا إذا كنا نأخذ بتصنيف العناصر على أساس أنه هناك عناصر سائلة وغازية وصلبة لكننا في نهاية المطاف نصل إلى أن هذه العناصر لا تشكل الحديد والحجر والجدران والأخشاب فقط لكنها تشكل كل شيء بما في ذلك الكائنات الحية. وبالتالي نحن هنا نستطيع أن نلمس معنى الجمع في عين الفرق. وقد كان المتصوف اليمني "عبد الرحيم البرعي" لماحًا عندما تغنى قائلًا: "على العقيق اجتمعنا نحن وسود العيون"، ويقصد أن حجارة العقيق متكاثرة بشكل كبير ولكن لا حجرة تشبه الأخرى على الإطلاق، كما يقصد في سود العيون أن هذه العيون سوداء ولكن لا يوجد عين تشبه الأخرى في سوادها ولا في شيء، وتبعًا لذلك هو يؤكد على فكرة النظر إلى الجمع في عين الفرق. كما أن أحد المتصوفين كان يقول: "وبفرق الفرق عرفناه وبجمع الجمع عبدناه" أي أننا في نهاية المطاف إذا أردنا أن نتجلى الحالة الإلهية في هذا الكون فلا بد من أن نتأمل في كل صغيرة وكبيرة حتى نفهم ماهية صنع الخالق.
3. كتب الدكتور عمر عبد العزيز سلسلة "المدارات"، مدارات الدوائر، مدارات الحائرين، مدارات الدائرين، كيف يعكس استخدام كلمة "مدارات" في العنوان مفهوم الحركة أو التغير في الأفكار؟
- في الحقيقة هذه السلسلة كانت مشروع قبل الأحداث المؤسفة التي حصلت في العالم العربي مؤخرًا، وكانت الفكرة قائمة على أساس 25 إصدارًا، من إحدى دور النشر في سورية، وصدر منها أربع أجزاء فقط، والحقيقة أن هذه الفكرة قائمة على أساس استبطان وإعادة تمثل واستدعاء عديد من المعارف الأدبية والفكرية والفلسفية والثقافية الكامنة في معنى الدوائر، والدوائر في حقيقة الأمر يطول الحديث عنها لأن الدائرة هي إنشاء كامل لكل ما في الوجود، ظاهرة أو غير مرئية، وبالتالي فإن هذه الدائرة تُعتبر المثال الأكثر سحرًا لماهية التكوين، لأن الدائرة هي ذلك الشيء الذي يتّسع إلى ما لانهاية، وإذا ما تصاغرت فإنها تصل إلى الصفرية أو إلى ما يسمى بلغة الفلسفة العدم الافتراضي أو الصفرية الافتراضية التي هي في حقيقة الأمر رافعة كبرى لتضعيف العدد ورافعة كبرى لتحريك الهيئات والأشكال المختلفة، وكأن هذه الدائرة المتماهية مع الصفر هي رافعة كبرى من روافع الوجود، سواء بشقه المرئي أو غير المرئي. فهذه الفكرة استقيتها من عديد من القراءات ومن الرؤى الفلسفية والفكرية والصوفية وحاولت استبطانها في هذه الدراسة. وهي عبارة عن وجيز إصداري خفيف، هذا الوجيز لكل عدد من الأعداد يحاول أن يكاشف بعض المسائل المتعلقة بالثقافة وأن يقف عليها وقفة هادئة وأن يكشف كل الأشياء وجوهرها.
4. كتبت روايات عدة، منها رواية النسيان، وهي رواية سيكولوجية تتحدث عن ذلك الموهوب الذي لا ينسى.. وكيف أنه يتقلب في جمرات الذاكرة للبحث لاحقًا عن ترياق لمعالجة داء النسيان. ما دور الصراعات النفسية التي تواجهها الشخصية في بحثها عن ترياق النسيان؟
- الروايات العشر التي كتبتها بضمنها روايات سيرة ذاتية كما هو الحال بالنسبة لرواية "الحمودي" أو روايات سيكولوجية كما هو الحال بالنسبة لرواية "النسيان" أو روايات سِيَر غيرية كما هو الحال في رواية الشيخ "فرح" و رواية "مريوم"، وهنالك أيضًا روايات أشمل وأكبر كما هو الحال بالنسبة لرواية "سلطان الغيب" وهنالك روايات أخرى لها علاقة بقضايا الوجود المرتبط بالتحولات العاصفة التي نسميها بعالم المصادفة ولكنها أيضًا عالم الضرورة بشكل ما، كما هو الحال بالنسبة لرواية "الغبار" وغيرها من الروايات. وفيما يتعلق برواية "النسيان"، فقد تأثرتُ بشخصية "الخليل بن أحمد الفراهيدي" الذي كان مُحبًا للبحث عن قضايا الإشكالية كما فعل على سبيل المثال في اكتشافه لبحور الشعر العربي والموسيقى لأنه كان يريد أن يميز بين النثر والشعر، ولمَ الشعر يتميز، فوجد أن الموسيقى هي المعادل الذي يفسر هذه المسألة من خلال ما يسمى بتفعيلات "الخليل ين أحمد الفراهيدي" في الأبحر المتعارف عليها، وهذه التفعيلات قائمة على قاعدة موسيقية هي تناوب جبري بين الحركة والسكون الذي هو نفسه ذات النابض بالموسيقى، وقد رأينا مثل هذا الأمر عند الشاعر الإيطالي "دانتي أليغييري" لأنه دَوّن اللغة الإيطالية الشعبية عن طريق تناغم وتبادل الحركة والسكون تبادلًا جبريًا متواترًا، وكأنه كان يوازي في أفق مع "الخليل بن أحمد الفراهيدي"، لكن الفراهيدي كان يبحث عن الأشياء الصعبة، وبضمنها أنه يريد معرفة ماهية النسيان ومفرداته وسببه. ورواية "النسيان" تتحدث عن شخص ما يعتقد أن ذاكرته قوية جدًا وبالتالي كان يتباهى بأنه لا ينسى، ولكن في نهاية المطاف يكتشف بأنه مصاب بداء عدم النسيان، بداء الذاكرة، وداء الذاكرة أدهى وأمَرّ من داء النسيان، وبالتالي يبحث عن معالجة لكيفية تخلصه من داء الذاكرة.
5. كتبت في مجال الإعلام أيضًا، مثل كتاب "الإعلام الجديد" الذي صدر منذ سنين خلت، ولعله استبق بعض الظواهر الإعلامية قبل تداعياتها المداهمة في زمن الذكاء الاصطناعي. ما هي الظواهر الإعلامية التي استبقها الكتاب قبل ظهورها في زمن الذكاء الاصطناعي؟
- أعتقد أن القيمة الأساسية لهذا الكتاب هو في البعد التخييلي أو التخيلي، بمعنى آخر أن تجربتي مع الإعلام مديدة إضافة إلى أنها كانت تجربة مؤسسية وممارسية، وهذه التجربة الطويلة في حقل الإعلام جعلتني أمتلك حساسية معينة فيما يتعلق بالتكشف والتعرف على ماهية الإعلام، والإعلام هو فن الفنون الممزوجة وهو رسالة ومعنى وأيديولوجية بالنسبة للإعلام الرسمي التابع للدول، وحتى بالنسبة للإعلام الخاص إلى حد ما، والإعلام أيضًا هو مخاتلة في أفق ما ومكاشفة في أفق آخر ونقد مرة أخرى ومرات أخرى تزيين وهكذا.. لكن في نهاية المطاف هناك تقنيات في الإعلام وهناك مستجدات تقنية وتكشفات علمية كبرى رقمية وغير رقمية، كل ذلك يضع الإعلام المعاصر أمام تحديات كبيرة جدًا ويسحب البساط من تحت الإعلام التقليدي الذي كان يستقيم على مركزية الدولة وعلى مركزية المال أو على مركزية الجماعة المؤثرة، وكل هذه الأشياء تتعرض اليوم لتمزقات وتعب شديد. أعتقد أن الإعلام المعاصر هو ذلك الإعلام الذي يفجر الطاقات بشكل لا متناهي ويحيل العالم المعاصر إلى "هايد بارك" كبير بالمعنى الإنكليزي للكلمة، والهايد بارك هي حديقة في وسط لندن، يتحدث فيها كل من يريد التحدث بما في ذلك العوام من الناس، وفيها درجة من الغوغائية ودرجة من التطّيرات الكلامية التي لا معنى لها ولكنها في نهاية المطاف هي متنفس للناس، والآن هي متنفس للميديا، فكل فرد يتكلم ما يريد ويصور كما يريد، وإذا ما انعطفنا بعد ذلك إلى الذكاء الاصطناعي سنجد أنفسنا أمام مياه مترجرجة ومترعة بكل ما يمكن أن يتخيله المرء من الابتلاء، وبالتالي هذا مصير الإعلام المعاصر. أنا أعتقد أن هذا الكتاب الذي كتبته قبل عشر سنوات، حاولت أن أتلمس هذا المسار دون أن أدرك، فلم يكن يتم الحديث حينها عن الذكاء الاصطناعي ولا عن الميديا التي ستخترق كل الحواجز كما يحصل الآن ولكني كنتُ أستشعر ضمنًا هذا الأمر، وأعتقد أن علينا أن نتفهم هذه المسألة باعتبار أنها تحول في مسألة التطور الطبيعي للبشرية في حقول المعرفة والتقنيات والاكتشاف وما إلى ذلك.

6. أيضًا أنت فنان، ترسم منذ طفولتك وحتى اليوم، كيف يؤثر سياق الزمن والمكان على تعبيراتك الفنية؟
- مما لا جدال فيه أن للمكان والزمان أهمية كبرى في الفنون المختلفة وفي إبداع الإنسان أيًا كان، لأن المكان ليس إلا زمن سائل، والزمان ليس إلا مكان مقاس بالزمان، بمعنى آخر أن المكان والزمان يبدوان حقيقة موضوعية ولكنها حقيقة فيها شيء من الوهم، أي أننا لا نستطيع تحديد المكان أو الزمان بطريقة دقيقة، فالمكان تحول من جهة، وظاهر وغائب من جهة أخرى، والزمان أيضًا متحول، فالزمن نسبي، بمعنى آخر لو أخذنا على سبيل المثال دورات الحياة للكائنات المختلفة فبعضها دورات حياتها لا تتجاوز الدقيقة من الزمن، وهناك كائنات تصل إلى خمسمئة عام، وكائنات تموت موتًا افتراضيًا ولكنها تعيش بعد ذلك كما هو الحال بالنسبة لقناديل البحر. فهذه الأشياء بجملتها، تبين لنا أن الزمن نسبي وأن المكان متغير ومتحرك، ولهذا كان "عنتر بن شداد" بتلك العبقرية العربية الجاهلية الأولى إذ قال:
"هَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتَرَدَّمِ... أَم هَل عَرَفتَ الدارَ بَعدَ تَوَهُّمِ؟" ففي قوله: هل غادر الشعراء من متردم.. هو يقصد أن الشاعر غادر ولم يغادِر، فكيف له أن يُغادر مالم يُغادَر؟ لكنه غادر أيضًا لأن هذا المتردم ليس هو المكان الذي كان يعرفه، وهذا ما يؤكده قوله: أم عرفت الدار بعد توهم؟ أي هل عرفت المكان أم أنك تتوهم المكان، بمعنى آخر أن هذا المكان تحول إلى سديم، وتحول إلى شكل قابل لكثير من التفسيرات وكثير من المرئيات، وأن هذا الزمان ليس هو الزمان الذي نعرفه، وبالتالي هو علاقة الإنسان بالزمان والمكان، وهي علاقة فنية وإبداعية بالنسبة لي على الأقل في المرحلة الأولى الدراسية في الطفولة التي كانت مرحلة ملهمة لأن المدرسة الإيطالية كانت تُعلّم الرسم قبل الكتابة، لكن بغض النظر عن ذلك كانت هناك مؤثرات موسيقية ولغوية وحياتية متنوعة بطبيعتها، وهذه المؤثرات جعلت الطفل الصغير قابلًا لأن يتلقى هذه الخوارزميات الموسيقية والخوارزميات الشكلية اللونية والخوارزميات الكتابية وغيرها، بوصفها برنامجًا واحدًا يتفاعل في دماغه. وأنا أعتقد أن الإنسان المعاصر بهذا الشكل الآن لأننا في حالة هجرة فإما تحركنا من مكان إلى مكان أو بقينا في مكان واحد، والهجرة مسألة جبرية داخليًا وخارجيًا، وهي بهذا المعنى هجرة لمعاني متعددة وأنساق متعددة من الثقافات، حتى لو بقي المرء في مكانه لكنه هاجر عبر الوسائط المتعددة، وبالتالي لم يعد المكان محصورًا ومحاصرًا، ولم يعد الزمن هو الزمان فكل شيء تغير. وهكذا كل هذه الأشياء تؤثر على الإبداع والعطاء وعلى الإنسان في حياته اليومية.
7. كتابك "ألوان القلوب" والذي ينطوي على تنويعات كتابية ذات صلة بالثقافة العربية الإسلامية، ما تأثير الثقافة العربية الإسلامية على الفكر العربي في الوقت الراهن؟
- إن الثقافة العربية الإسلامية هي ثقافة عميقة جدًا وكبيرة وثقافة إنسانية، نحن لسنا بعيدين عن الإغريق اليونانيين القدماء ولا عن الثقافة البيزنطية الرومانية ولا عن الثقافة الهندية الآسيوية، بمعنى آخر أنه حتى قبل الإسلام كانت كل هذه الأنساق الثقافية لها حضور في العالم العربي، والدليل على ذلك هي المدونة التاريخية العربية سواء في الشعر أو في النثر، التي كانت لها علاقة بكل الآداب والفلسفات الإنسانية، فسنجد على سبيل المثال التيارات الفلسفية اليونانية الموجودة في الجزيرة العربية، والرواقيين والأبيقوريين والسفسطائيين وغيرهم، وكل هؤلاء كانوا موجودين قبل الإسلام وفي إطار الثقافة العربية ذاتها، وبالتالي جاء الإسلام تتويجًا لهذا المعنى، بمعنى آخر أن مركزية القرآن كمنت في البعد اللغوي من جهة والبعد اللساني بالمعنى الواسع للكلمة الذي يتجاوز حدود اللغة إلى الكلام، إلى ما يمكن أن يسمى اللغة الشاملة، وهكذا بدأت ظواهر المعاني تنبثق من إطار المركزية الأساسية للقرآن الكريم تفسيرًا ثم بعد ذلك تحددت التفاسير إلى ما لا نهاية وأصبحت متاخمة لما يسمى بالتأويل، والتأويل أوصلنا إلى علم الكلام والفلك أوصلنا إلى الفرق، والفرق تعني أنه هنالك جداليات، كانت في جدال كبير جدًا وهذا الجدل بقدر بيزنطيته كان جدلًا خلّاقًا كما هو الحال بالنسبة لبعض المجردات في المفاهيم القرآنية وبعض المجردات في المفاهيم الوجودية، وبالتالي من الطبيعي أن يحصل تباين. هذا الكلام حصل أيضًا في أوروبا، بشكل موازي تمامًا وحصل في العالم كله أي أن البشرية كلها منخرطة في أتون هذا العراك الفكري وهذه التخالفات والمنازلات البينية المرتبطة بالاجتهاد وبالتالي الثقافة العربية نابعة من كل هذه العوامل المركبة، وأستطيع أن أقول إنها ما زالت حاضرة حتى يومنا هذا. نحن على الأقل فيما يتعلق في العالم العربي لم ننجز أسماء وقامات أمثال الذين كانوا في التاريخ وأذكر منهم على سبيل المثال: الإمام أبو حامد محمد الغزالي، الرازي، الشيخ محي الدين بن العربي، الكندي، ابن خلدون.. إلخ. بمعنى آخر حتى الآن نحن ما زلنا نستقي جزءًا من ثقافة هؤلاء بالمعنى التأملي والفكري والفلسفي العميق، وهكذا نحن ما زلنا في حالة اشتباك إن جاز التعبير مع الثقافة العربية التاريخية ومع الثقافة الإسلامية التاريخية ولكنه اشتباك حميد وبعبارة أخرى أن نتكشف مزيدًا من المعاني والمعارف.
8. كتاب "التجارة والحضارة" والذي هو قيد الطباعة، تناولتَ فيه اختصارًا للتاريخ التجاري في شبه الجزيرة العربية، هل لنا أن نأخذ فكرة موجزة عنه؟
هو وجيز في تاريخ الجزيرة العربية التجارية، تاريخ التجارة البحرية على وجه التحديد وأيضًا التجارة البرية ولكن مثل هذه الكتب أحاول أن أقدمها بلغة بسيطة وبنوع من الاسترجاع والاستدعاء الضمني للمعارف الاقتصادية السابقة الأكاديمية وبنوع من التنويع على الحقائق التي كانت وما زالت موجودة، وبالواقع نحن لا نستطيع أن نحكم على التاريخ من خلال هذه اللحظة ومن خلال هذا الزمن ولكننا نحكم عليه من خلال الرصد الكرونولوجي الدقيق الهادئ والذوقي في الوقت نفسه لما كان يحصل في عالم التجارة. وعالم التجارة يعني عالم الإنسان، عالم الثقافة، عالم التراسل الثقافي والفكري، ويعني أيضًا الصدامات التي كانت يمكن أن تحصل بين المتحالفين أو المتفارقين، وبالتالي هذه الخارطة الجغرافية التجارية التاريخية متحركة، بدليل أنه في ستينات القرن المنصرم كانت نيويورك أول ميناء في العالم بحسب التوصيف، واليوم شنكهاي هي أول ميناء في العالم، كان ميناء ليفربول الإنكليزي آنئذ في حالة فتوة نسبية إلى حد كبير خاصة فيما يتعلق بصناعة السفن وإرسالها، الآن يخبو ليفربول إلى درجة أن الصين تتولى تشغيله. أيضًا كان ميناء اليمن في المرتبة الثانية، اليوم تراجعت اليمن كثيرًا بسبب الأحداث الأخيرة، فإذًا الخارطة التجارية والخارطة الجغرافية متحركة بطبيعتها، وفيها تبادل وتناوب في الأدوار، ولكنها في الوقت نفسه هي مدونة للتاريخ، أي بمعنى إذا تكلمنا عن مدينة البندقية التاريخية على سبيل المثال في إيطالية، سنجد أنها كانت حالة تمثل للتماثل الكامل بين البحر الأبيض المتوسط بشقه العربي الكبير، شمال أفريقيا والشام، وبين أوروبا الإيطالية وأوروبا اللاتينية بالمعنى الواسع للكلمة، وهناك تبلورت الأشياء بكيفية ما، وبالتالي هذا التأمل في الجغرافية والتاريخ هو تأمل أيضًا في مسار التجارة والأفكار والبناء في اللغات الإنسانية المختلفة. ومنهجي في كتابة هذه الأشياء هو منهج اقتصادي أدبي، اقتصادي ذوقي إلى حد ما، وأذكر أنني كتبتُ كتابًا قبل أكثر من 15 سنة عن النظرية المالية، نظرية النقد الدولي، وتحدثتُ فيها عن محنة الاقتصاد النقدي الدولي، ونحن الآن نمضي بطريق في منتهى الخطورة لأن العملة نتيجة للحرب العالمية الثانية أفضت إلى أن يحصل تمركز غير طبيعي، بالمقابل ينسحق الناس إلى دوائر كبرى من الفقر في كل العالم، وهو أمر ليس منطقيًا على الإطلاق. أنا أعتبر أن الأداة المالية لعبت دور كبير في هذه الحالة بدليل أنه أثناء وجود الاتحاد السوفييتي لم يكن الأمر بهذه الفداحة، ولم تكن دوائر إفقار مليارات البشر بهذا الشكل. الآن هذا الذي يحصل عمليًا.
*أكاديمية وكاتبة مقيمة في الإمارات_من سورية








تابعونا على صفحتنا على الفيسبوك , وكالة زاد الاردن الاخبارية

التعليقات حالياً متوقفة من الموقع