في الإفادة والتحليل قد يعتقد البعض أن الحركة الطلابية الأمريكية ستعود بعد القمة التي تتربع عليها الآن في النضال الإنساني ضد العدوان على الغير إلى الانحدار والتلهي مجدداً بمسائل طلابية جامعية داخلية بعد أن تجاوزت حدود الجامعات الأمريكية بسرعة قياسية في حراكها المتنامي ضد جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة وبالتالي طرحها أو تبنيها لسلسلة من المشكلات الاجتماعية والسياسية العامة والعالمية التي لم تكن مرتبطة ارتباطاً مباشراً بما يجري داخل أسوار الجامعات الأمريكية لا سيما وإن ما حدث في جامعة كولومبيا قديمًا عندما طرح الطلاب المتمردون مسألة اضطهاد السود قد شكل تماثلا في حينه مع نشاط الحركة الطلابية الأوروبية الغربية، بين العناصر الأكثر تقدماً، والأشد تحمساً لمشكلات الأجزاء الاسهل عرضة للاستغلال داخلياً وخارجيا في النظام الرأسمالي العالمي.
حيث انخرط الطلاب جميعاً في أعمال تضامن مختلفة مع النضال التحرري للشعوب المكافحة في البلدان النامية والفقيرة وخاصة كوبا وفيتنام والأجزاء المضطهدة الأخرى من العالم الثالث.
ثم حدث في حينه أيضا إن تماهت الأقسام الأكثر وعياً في الحركة الطلابية الفرنسية مع الثورة الجزائرية، ونضال الجزائريين التحرري ضد الإمبريالية الفرنسية، وبالتالي لا بد من القول هنا إن الطلاب في الجامعات الأمريكية والأوروبية يلعبون دوراً عظيماً للغاية في تعديل وتصويب سياسات بلدانهم نحو الأفضل. ولعل هذا هو الإطار الأول الذي يحدث ضمنه تمايز سياسي فعلي على يسار الحركة الحزبية والنقابية
حيث لعب هؤلاء الطلاب أنفسهم فيما بعد دوراً طليعيّاً في النضال من أجل الدفاع عن الثورة الفيتنامية.
أما في ألمانيا فقد كان لهذا التعاطف مع الشعوب المناضلة ضد الاستعمار نقطة انطلاق فريدة أيضا حيث تفجر التمرد الطلابي الضخم بواسطة عمل تضامني مع عمال وفلاحين وطلاب بلد آخر من بلدان العالم الثالث، وهو إيران، بمناسبة زيارة شاه إيران لبرلين في حينه وهو الأمر الذى أثبت إن الطليعة الطلابية لا تتماهى فقط مع النضالات الخاصة في الجزائر وكوبا وفيتنام؛ و إنما تتماها أيضا مع فكرة التحرر والانعتاق لكل شعوب العالم الثالث وبالتالي لا بد من القول في هذا المقام. إن تطور نشاط الحركة الطلابية الأمريكية والأوروبية قد بدأ من هناك. من فرنسا وألمانيا وإيطاليا والعملية نفسها تحدث الآن في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية مجدداً.
لذلك أعتقد جازماً أنه من غير الممكن إطلاق عمل تضامني فعال في الجامعات الأمريكية والأوروبية مع فلسطين وشعوب العالم الثالث دون تحليل نظري لطبيعة الإمبريالية الاستعمارية والصهيونية العالمية والقوى المحركة المسئولة عن استغلال العالم الثالث و القوى المسئولة من ناحية أخرى عن حركة التحرر الوطني للجماهير المناضلة في بلدان هذا العالم.
وعبر منعطف تحليلي المتواضع لظاهرة الاستعمار والإمبريالية فإن القوى الأكثر وعياً وتنظيماً في الحركة الطلابية الأمريكية الأوروبية قد أعيدت الآن إلى النقطة التي بدأت منها الماركسية اللينينية في فهم الظواهر ونضال الشعوب النامية والفقيرة ضد النظام الرأسمالي العالمي وأدواته الخارجية التي نعيش بشاعتها الآن في فلسطين.
إننا بعيداً عن فهم هذا النظام، فلن نفهم قط أسباب الحروب الصهيونية العدوانية على الشعب الفلسطيني و سائر شعوبنا العربية كما واننا لن نفهم أيضا لماذا ينبغي علينا أن نتحالف ونتكامل مع الحركات الطلابية الأمريكية والأوروبية وكل القوى المناهضة الإمبريالية في العالم.
أما في حالة ألمانيا، فلم يأخذ انطلاق هذه العملية غير أقل من ستة أشهر. حيث بدأت الحركة الطلابية هناك بتفكيك الهيكل الاستبدادي للجامعة، ومضت إلى مسألة الإمبريالية والبؤس في العالم الثالث، ثم بتضامنها مع حركاته التحررية وتوصلت إلى ضرورة إعادة تحليل الرسمالية الحديثة على صعيد عالمي وفي البلد نفسه الذي كان الطلاب فيه هم المحرك الأساس لقوى المجتمع الألماني وكان يتعين عليهم العودة إلى نقطة انطلاق التحليل الماركسي للمجتمع الذي يعيشون فيه لكي يفهموا الأسباب الموضوعية الأعمق للبؤس الاجتماعي وللتمرد الاجتماعي المطلوب الذي أودى في نهاية المطاف بأسوار برلين وتحصيناتها المعقدة.
تحريرا في 27/4/2024
الكاتب والمفكر الفلسطيني
العميد يونس سالم الرجوب