أهم سؤال يجب أن تتوجه إليه نقاشات العامة، الآن وبدون تأخير، هو : كيف نحمي بلدنا، ونحافظ على وجودنا وحدودنا، ومصالحنا أيضا؟ صحيح أن الحرب على غزة وتداعياتها، وجهودنا السياسية التي تنصب لوقف هذه الحرب، ودعم اشقائنا الفلسطينيين، تشكل عنوانا لهذه النقاشات، ودافعا لها، لكن المطلوب أن نتجاوز ما يدور في الشارع من ردود فعل طبيعية ضد العدوان، إلى استشراف حالة بلدنا (الأردن)، ووضع ما يواجهه من تداعيات بسبب الحرب، كأولوية على أجندتنا الوطنية، هذه بالطبع مسؤولية إدارات الدولة ونخب المجتمع، أقصد الحكماء والعقلاء الذين يجب أن نسمع صوتهم ومشورتهم أيضا.
الدفاع عن فلسطين وغزة واجب وطني، وحركة الدولة، بما تمتلكه من أدوات دبلوماسية، لفضح الجريمة التي يمارسها المحتل، وكشف التحالف الغربي معه، وتقديم ما يلزم من عون ومساعدة للأشقاء، ضرورة سياسية وأخلاقية وإنسانية، هذه المسألة يجب أن تكون محسومة لدى الأردنيين، وأن لا تخضع لأي مساومات أو مزايدات، لكن استدعاء (القضية الأردنية ) في ظل هذه الحرب، وما قد تفرضه من تحولات وأخطار، يجب أن يقع في صميم اهتمامنا، ليس، فقط، لأن بلدنا يقع في دائرة الاستهداف، وإنما لأن المرحلة التي نواجهها تحتاج إلى الانتصار لمنطق الدولة وحساباتها ومصالحها، بعيدا عن الانجرار للعواطف أو الشعارات، أو المغامرة، أو ربما الأفخاخ التي يحاول البعض إيقاعنا فيها، بقصد أو بدون قصد.
بصراحة أكثر، قد يأخذنا الشارع، بما تراكم لديه من مخزون الغضب والقهر، إلى خيارات غير مدروسة ومتسرعة، وقد يعتقد بعضنا، في لحظة ما، أن المطلوب منا أكثر وأكبر من طاقتنا وإمكانياتنا السياسية، كما قد يتطوع آخرون لوضع سيناريوهات مزدحمة بالقراءات المغلوطة، هذا وغيره قد يحدث في غياب مطبخ سياسي، يشارك فيه العقلاء لوضع ما يلزم من تصورات حول الجزء المتعلق ببلدنا في ظل هذه الحرب، اقصد ما يجب أن نفعله الآن، وما يجب أن نتجنبه، وما يجب أن نستعد له، لتكون خطة طريق مفصلة وواضحة تجيب عن كل الأسئلة بإجابات دقيقة، حسب المعطيات والمعلومات المتوفرة، ثم تُطرح على المستوى الوطني ليتوافق عليها الجميع، ويلتزموا بها أيضا،
حين ندقق فيما جرى على مدى الأيام المنصرفة منذ بداية العدوان على غزة (7 أكتوبر )، نجد بلدنا يقف وحيدا على الجبهة السياسية، لا رديف عربيا ولا إقليميا ولا دوليا يقف مع أهل غزة، هذا درس يجب أن نتعلمه كأردنيين أيضا، نجد، ثانيا، أن حالة مجتمعا التي عبرت عنها حراكاته تصلح أن تكون (حالة دراسة )، نأخذ منها الدروس والعبر، نجد، ثالثا، أن خطاب بعض إدارات الدولة، ونخب المجتمع، مازال يركض خلف خطاب الشارع، فيما الأصل أن يكون العكس، نجد، رابعا، أن لدينا نقاط قوة استثمرنا فيها على المستوى السياسي، أبرزها خطابات الملك ولقاءاته، وتصريحات وزير الخارجية أيضا، ولدينا نقاط ضعف يجب أن نعرفها ونعترف بها ثم نستدركها، أقصد أداء بعض المؤسسات العامة وأداء النخب، وغياب رجالات الدولة، ثم الأهم الأداء الإعلامي الذي غابت عنه، أحيانا، مواقف الدولة الأردنية والأخطار التي تواجهها، وما يجب أن يفعله الأردنيون لمواجهة القادم.
استدعاء النخبة الوطنية لتقول كلمتها، وتقدم مشورتها، في موازاة ارتفاع صوت الشارع وحراكاته، أصبح واجب الوقت، أعرف أن بعض القامات الوطنية التي أحترمها تفكر في هذا الاتجاه، لكن المطلوب أن تبدأ حراكاتها السياسية على الفور، وأن تبادر بعقل سياسي بارد لوضع مبادرة وطنية على طاولة النقاش العام، عنوانها حماية المصالح الأردنية، وعقلنة الخطاب العام، لتكون بمثابة دليل أو إعلان عام، يساعدنا لكي نعرف أين نضع اقدامنا الآن وغدا، تبعا لكل الاحتمالات المتوقعة في مسار الحرب وتداعياتها.