د. حازم قشوع - تحاول منطقة الشرق الأوسط أن تنأى بنفسها عن مآلات الحرب الأوكرانية مع ارتفاع وتيرة التوقعات بدخول البشرية في حرب عالمية ثالثة في ظل درجة التباين السائدة بين معسكر التعددية القطبية بزعامة الصين وروسيا والولايات المتحدة التي تريدها أن تبقى أحادية القطبية.
ومع توالي حركة الاصطفافات بين الأقطار المؤيدة لهذا الطرف والمتناغمة مع ذاك، تقوم منطقة الشرق الوسط وآسيا الوسطى بتشكيل منطقة عازلة بين القطبين تسمح لها بحماية مواردها الطبيعية من غاز وبترول كما تعمل للحيلولة دون دخول جنوب العالم بامتداد الحرب العالمية الثالثة الدائرة بشماله والتي يبدو أنها دخلت بطور الغرفة المعتمة وهي الدرجة التي تسبق إعلانها.
ولعل التوافقات التي تمت بين دول الأمة التركية الست بقيادة تركيا ومنظومة دول الخليج العربي بقيادة السعودية التي عقدت بجدة، وتناعم هذا التحرك الاحترازي مع الأمة الفارسية بامتداد نفوذها في المنطقة العربية وآسيا الوسطى أخذ يشكل صورة رمادية محددة بالمساحة والعنوان، وأصبحت هذه الصورة مقرة من المعسكر الشرقي كما هي معلومة من المعسكر الغربي.
الأمر الذي يجعل من منطقه الشرق الأوسط وآسيا الوسطى أشبه ما تكون بالمنطقة المحايدة عسكريا شبيهة الى حد كبير بالتشكيل الذي خرج بعد الحرب العالمية الكبرى مع دخول البشرية في الحرب الباردة التي تعرف بدول عدم الانحياز.
وهو المشهد السياسي الذي أخذ يسقط بظلاله على طبيعة المشهد الإسرائيلي حتى جعله منقسما بين تيارين أحدهما ديني توراتي بقيادة ائتلاف نتنياهو ينادي بالاستقلال الذاتي لبيت القرار عن المظلة الأميركية والآخر يهودي علماني يريد المحافظة على نظام الضوابط والموازين بقيادة المؤسسة العسكرية.
وما بين هذا التوجه الذي يريد تغيير (استاتيكو) نظام الضوابط الموازين الإسرائيلي وبقية المجتمع الإسرائيلي الذي يريد المحافظة باعتباره ميزان ضوابط شبه دستوري ليبقى قائما على مرجعية السلطة القضائية في التوجيه وإما صناعته في المؤسسة العسكرية والأمنية التي تضم (سحال وشين بيت والموساد وأمان) بينما تقوم مؤسسات السياسة الحكومية والتشريعية بالتنفيذ استنادا لصيغة البيان الصادر عن بيت القرار.
وهو المضمون الحقيقي لحالة السجال الدائرة بالمجتمع الإسرائيلي بين مؤيد لتغيير استاتيكو القرار وآخر يريد البقاء على ذات النظام، الميزان، الذى تم تصميمه منذ تشكيل إسرائيل وإعلان استقلالها وهو ما يجري التعاطي معه بالميزان الرسمي كما في الحواضن الشعبية بطريقة تنذر باقتسام رأسي وأفقي في ظل عدم وجود دستور للدولة الإسرائيلية يمكن الاحتكام إليه.
وأما السؤال الذي يستوجب طرحه في هذا المقام: ماذا إذا نجح نتنياهو بتغيير قواعد استاتيكو بيان بيت القرار وأصبح بيت القرار السيادي بيد الحكومة وما مدى تأثير ذلك على السياسة الإسرائيلية الداخلية والخارجية لا سيما أن هذا المتغير إن حدث فإنه سيطال الهيكلية الرئيسية العسكرية والأمنية كما القضائية في بنية إسرائيل الداخلية.
حيث يتوقع بعض المتابعين أن هذا المتغير سيحد إلى درجة كبيرة من نفوذ الولايات المتحدة في إسرائيل ويوسع من قدرتها على المناورة بشكل كبير وهو ما قد يتيح لها الدخول مع بقية دول المنطقة بالمساحة الرمادية مشاركة بذلك أقطار الشرق الاوسط ومحقق "طبيعية المكانة".. لكنها ستكون مبتعدة في المحصلة عن مركز القيادة المركزية الوسطى؟!.
وهي قراءة إن صحت فإن نظام الضوابط والموازين في المنطقة سيتغير بشكل جوهري وسيعاد ترسيمه وسيكون الحليف الإستراتيجي الأردني مركزه وعنوانه، كما تصف ذلك بعض الاستنتاجات. فهل ستدخل إسرائيل في المنطقه الرمادية وتخرج من العباءة الدولية لصالح التوافقات الإقليمية التي تحوي مساحة مناورة وظروف تطبيع؟!.. أم أن المؤسسة العسكرية تكون قد التقطت رسالة وزير الدفاع الأميركي اوستن من زيارته الأخيرة لتل أبيب وتقوم باستدراك الموقف بإخراج بعض العوالق من المشهد السياسي عبر جراحة ترميم عضوية للحكومة يعاد فيها تشكيل الحكومة عبر معادلة جديدة ويقوم نتنياهو بقبول دعوة الخريف القادم للبيت الأبيض التي جاءت مشروطة عبر هيرتسوغ الرئيس الإسرائيلي الذي ذهب بهذا التمني للرئيس بايدن ليقوم بتوجيهها!!! هذا ما ستجيب عنه مؤسسة بيت القرار في تل أبيب التي ما زالت تمتلك شرعية استاتيكو الدولة الإسرائيلية.
وفي حال تم إقرار توصيات الإدارة الأميركية من قبل بيت القرار في تل أبيب فإن الحكومة الإسرائيلية سيعاد تشكيلها لتكون بحلة جديدة مقبولة كونها ستكون على موعد مع تغيير جوهري في سياساتها كما ستكون على موعد مع حواضن سياسية محيطة تجعل منها دولة مقبولة في المنطقة في حال أقرت بحل الدولتين وأعادت التأكيد على حدود الرابع من حزيران باعتبارها حدود الدولة الفلسطينية.. وهذا ما قد يؤهلها لإبرام اتفاقية طبيعية مع جيرانها العرب بما في ذلك مع السعودية كما يصف ذلك المتابعون فى حال التزمت بالمبادرة الأميركية بهذا الصدد.. الأمر الذي سيجعل من مجتمعات المنطقة تعيد بناء خطوطها الواصلة ضمن أرضية عمل مشتركة إستراتيجية الأبعاد .. فهل تلتقط إسرائيل المفردات الجديدة التي يراد صياغتها لترسيخ مناخات السلم الإقليمي والأمن الدولي بهذه المناخات!؟ أم أن بيت القرار في تل أبيب يبقى مختطفا من أيدولوجية متطرفة غير مقبولة إسرائيليا كما هي مرفوضة إقليميا ودوليا؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة.. وهو ما يجعل المنطقة تعيش أجواء بين التغيير والتغير.