مهدي مبارك عبد الله - تحتفل الكنائس الشرقية في كل عام بمناسبة سبت النور أو السبت المقدس وهو آخر يوم في أسبوع الآلام عند المسيحيين حيث يستعد فيه المسيحيون لعيد الفصح الذي يتفق في الاسم مع عيد الفصح في اليهودية مع اختلاف الرمزية والدلالة والمواعيد بينهما فهو يرمز عند اليهود لخروجهم من مصر أما في المسيحية فيرمز لآلام السيد المسيح عليه السلام وما يسمونه قيامته من بين الأموات
تزامن المناسبتين معا جاء بسبب المعتقدات المسيحية لدى الطوائف المسيحية ذات التقويم الشرقي المسيحي بأن قيامة المسيح عليه السلام وقعت يوم الأحد الموافق لعيد الفصح عند اليهود وعادة ما يسير المشاركون في احتفالات سبت النور بشوارع البلدة القديمة في القدس بجمعات وهم يحملون الصلبان وصولًا إلى كنيسة القيامة كما تنظم عروض كشفية محدودة وسط إجراءات أمنية مشددة تنقل خلالها شعلة النور من كنيسة القيامة في القدس المحتلة إلى كنائس المحافظات الفلسطينية الأخرى إيذانا ببدء الاحتفال بعيد الفصح المجيد
سلطات الاحتلال الصهيونية وكعادتها في كل الأعوام الماضية وضمن سياسة التضييق على الوجود الفلسطيني في مدينته وعاصمة دولته فرضت القيود الأمنية المشددة والحواجز العسكرية واغلقت عدد من أبواب البلدة القديمة وحارة النصارى بهدف إعاقة مئات المسيحيين الفلسطينيين والزوار الأجانب من المشاركة في احتفالات سبت النور الا ان كل تلك الإجراءات لم تمنع أعداد كبيرة منهم من الوصول إلى كنيسة القيامة في القدس المحتلة وممارسة حقهم القانوني والشرعي في الصلاة والعبادة وبما يحفظ حقوقهم وهويتهم ووجودهم
صباح يوم السبت الماضي عززت سلطات الاحتلال الإسرائيلي وجودها العسكري في محيط البلدة القديمة بالمدينة المقدسة وداخلها وحولتها إلى ثكنة عسكرية حيث قطعت كافة الطرق إلى كنيسة القيامة لمنع المصلين من الوصول إليها للاحتفال بيوم سبت النور كما أغلقت الباب الجديد الذي يؤدي إلى البلدة القديمة في القدس المحتلة والذي يدخل منه المحتفلون بهذا اليوم المقدس
وقد طلب الجنود الصهاينة منهم التوجه إلى أبواب أخرى مثل بابي الخليل والعامود دون إبداء أي أسباب ولم يسمح بدخول المدينة إلا لمن يحمل بطاقة خاصة بعيد الفصح في المقابل سمحوا لليهود بالوصول إلى حائط البراق للاحتفال بعيد الفصح اليهودي بلا أي قيود وبتمييز وانتهاك واضخ لأبسط القوانين والشرائع وبما يتنافى مع أبسط حقوق الإنسان والحقوق المتوارثة والمواثيق الدولية ويفضح الطبيعة العنصرية لنظام الحكم في الكيان الصهيوني الغاصب
قبل فترة وجيزة اقرت سلطات الاحتلال مشروع قانون يفرض على الكنائس ضرائب متعلقة بعقاراتها وممتلكاتها في القدس بأثر رجعي يعود إلى عام 2010 وذلك بهدف السيطرة على العقارات والأراضي التابعة للكنائس التي تشكل 30% تقريبا من مساحة القدس الشرقية ومؤخرا تراجع الاحتلال عن التقييدات التي فرضها على الاحتفالات بعد ضغط شعبي ومسار قضائي تكلل بإصدار المحكمة العليا الإسرائيلية
قرارا يلغي اجراءات الاحتلال بتقليص عدد المسيحيين المشاركين باحتفالات سبت النور في كنيسة القيامة الى 1500 شخص ليرتفع العدد الى 4000 كما يسمح لكل من يرغب بالمشاركة في الاحتفالات بدخول المدينة القديمة دون تحديد العدد وذلك بعد التماس قدمته للمحكمة مؤسسات وشخصيات أرثوذكسية مقدسية بحسب بيان بطريركية الروم الأرثوذكس المقدسية التي دعت المسيحيون الشرقيون إلى عدم الانصياع للقرارات الإسرائيلية والاستمرار بانتزاع حقوقهم بحرية العبادة
الجنود الصهاينة وبشكل ارهابي ممنهج اعتدوا بالضرب على المصلّين المسيحيين عند باب الجديد في القدس وفي الأزقة المؤدية إلى كنيسة القيامة وداخل البلدة القديمة من بينهم رهبان وقساوسة وقد أظهرت مقاطع فيديو متداولة محاولات شرطة الاحتلال اعاقة المحتفلين ومنعهم من المضي في طريقهم الى دور عبادتهم حيث نصبت عدة سواتر حديدية لا تتسع لمرور جميع المحتفلين وبما يقيد حركتهم ما تسبب في قلة عدد المصلين والزوار وضعف الحركة التجارية في المدينة بشكل لافت
قادة الكنائس في المشرق والعالم ورغم انف الاحتلال يؤكدون انه لا مساومة على حقوق المسيحيين في ممارسة شعائرهم الدينية والتقليدية والوصول الحر إلى اماكن العبادة والاحتفالات التقليدية في القدس وحارة النصارى دون حواجز أو تصاريح كما يرفضون بتاتا اي اقتراح تسوية يقضي يمنع الدخول إلى البلدة القديمة عبر الحواجز والسماح لأربعة آلاف شخص فقط بالوصول إلى كنيسة القيامة ومحيطها
الفلسطينيون مسلمون ومسيحيون ومن اجل افشال المخططات الصهيونية مدعون وبشكل دائم الى شد الرحال للقدس والمشاركة الفاعلة في الشعائر الدينية وكسر القيود الإسرائيلية التي تهدف إلى تغيير الوضع القانوني والتاريخي في المدينة ومقدساتها
الاحتلال وقادته يعلمون جيدا بان محاولات المس المتكررة بالمقدسات الفلسطينية سوف تجر المنطقة بأكملها إلى ما لا تحمد عقباه جراء خطورة وتداعيات الانتهاكات الإسرائيلية الجارية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وبشكل خاص في مدينة القدس وما تتعرض له مقدساتها من اقتحامات يومية للمسجد الأقصى المبارك والتنكيل بالمصلين المسلمين وقمعهم واعتقالهم وكذلك تقييد وصول المسيحيين منهم إلى كنيسة القيامة لأداء طقوسهم الدينية
واقع ما يجري في القدس ومحيطها خطير جدا ويستدعي ضرورة التحرك على المستويات الوطنية والاقليمية والدولية لوقف كل أشكال الانتهاكات والممارسات القمعية الإسرائيلية بحق الفلسطينيين وأرواحهم وأرضهم ومقدساتهم وضرورة اضطلاع الأمم المتحدة ومجلس الامن والمنظمات الأممية الاخرى بدورها في الضغط على الاحتلال لوقف ممارساته الوحشية والعنصرية والتي تنتهك كل المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وفي مقدمتها الحق بالعبادة وممارسة الشعائر الدينية بكل حرية وأمن وسلام
كما ينبغي المطالبة برفع كل القيود أمام وصول المؤمنين إلى أماكن عبادتهم واحترام قدسيتها في الوقت الذي تسمح فيه سلطات الاحتلال للمتطرفين والمستوطنين اليهود من اقتحام المقدسات والتنغيص على المصلين ومصادرة حقهم في ممارسة طقوسهم الدينية وكذلك لا بد مساندة رؤساء وقادة كنائس القدس وأبناء الشعب الفلسطيني في رفضهم للممارسات الإسرائيلية الجائرة بحقهم
لقد حان الوقت للاحتلال ان يعي ويفهم بان استمرار انتهاكاته من شأنه أن يشعل المنطقة ويجرها بأكملها إلى مربع التأجيج وعدم الاستقرار وفقدان الأمن والانفجار جراء محاولات المس المتكررة بالمقدسات الدينية المسيحية والإسلامية خاصة في الحرم القدسي الشريف إلى جانب الانتهاكات المتكررة للحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل المحتلة وإغلاقه الطرق أمام المصلين الفلسطينيين للوصول الى مقدساتهم وهو ما يؤكد بأن الاحتلال يستهدف بمخططاته الاجرامية كل القدس المحتلة بهويتها الوطنية والدينية كما يحاول الاستفراد بها وفصلها عن باقي المناطق الفلسطينية المحتلة
يذكر ان الاحتلال في يوم سبت النور وعيد الفصح من كل عام يضع قيودا جمة على أعداد المصلين في كنيسة القيامة بموازاة القيود التي يفرضها على الدخول إلى البلدة القديمة في القدس المحتلة وعلى الوصول إلى المسجد الأقصى المبارك إلا أنه في هذا العام شدد القيود أكثر ليحرم الآلاف المصلين من الوصول إلى كنيسة القيامة في هذا اليوم الذي يعد من أكثر الأيام قدسية لدى الطوائف المسيحية الشرقية حيث يؤم الكنيسة الآلاف الاشخاص بمن فيهم وفود وزوار من مختلف ارجاء العالم
لا يفوتنا في هذا المقام ان نشيد بمواقف سيادة المطران عطا الله حنا رئيس اساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس وسائر البطاركة ورؤساء الكنائس كافة والمؤسسات العربية الأرثوذكسية الموحدة في مواقفهم المشرفة وتحذيرهم من خطورة ما يحاك للأوقاف والأعياد المسيحية وإصرارهم على الوقوف بوجه الاحتلال وممارسة حقهم الطبيعي في العبادة بحرية كاملة في القدس المحتلة رغم إرادة المحتل وسياساته العنصرية وكذلك التصدي لإجراءاته القمعية وعدم الاعتراف بولايته على كنيسة القيامة ورفض قرار المحكمة العليا الإسرائيلية الذي يتيح أوسع الأبواب للاحتلال لاضطهاد الفلسطينيين واستهداف كل من هو غير يهودي
القدس كلها مستهدفة ومستباحة ولا يستثنى من ذلك أحد على الاطلاق فكما يستهدفون المسلمين في مقدساتهم واعيادهم هكذا ايضا المسيحيون مستهدفون في مقدساتهم واعيادهم لذلك وجب على الفلسطينيين جميعا ان يكونوا معا وسويا موحدين وفي خندق واحد كعائلة فلسطينية واحدة لان وحدتهم هي القوة القادرة في الدفاع عن حقهم ومقدساتهم ووجودهم
ختاما نؤكد للصهاينة المجرمين دعاة القتل والغدر والإرهاب بان يوم سبت النور هو أحد الأيام الأكثر قداسة للمسيحيين في فلسطين والعالم ولا يحق لحكومة الاحتلال الفاشية وقواتها النازية منع المصلين من الوصول إلى كنيسة القيامة أو فرض قيود على المصلين بحجج وذرائع سخيفة وواهية وليعلموا أكثر بأن القدس الشرقية بما في ذلك كنيسة القيامة ستبقى منطقة فلسطينية محتلة وعلى الاحتلال التوقف عن التدخل القمعي والوحشي فيها وممارسة الاستفزازات عير المبررة وعليه الانسحاب المباشر منها والرحيل العاجل عنها وتركها الى أهلها الأصليين
mahdimubarak@gmail.com