حتى لو صحت تسريبات الصحف الإسرائيلية وثبت أن مسؤولاً إسرائيلياً زار عمان فعلاً لتلطيف الأجواء المتلبدة بغيوم القطيعة شبه التامة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فإن هذا لا يغير المواقف الأردنية طالما أن المسألة ليست مسألة حبٍّ وكره وأمزجة شخصية وطالما أن الهدف هو الضغط على الإسرائيليين لحملهم على الإلتزام باستحقاقات السلام والتخلي عن تصرفات وسياسات وزرائهم التدميرية.
الموجبات المتعلقة بعملية السلام وبجوهر القضية الفلسطينية وباستئناف المفاوضات المتوقفة هي سبب توتر العلاقات الأردنية مع بنيامين نتنياهو حيث منذ عودة رئيس الوزراء الإسرائيلي للحكم مجدداً لم يكن هناك إلا لقاء واحد بين جلالة الملك عبد الله الثاني وبينه وهو اللقاء الذي استغرق خمس دقائق فقط وجرى في أحد ممرات مقر الأمم المتحدة في نيويورك في نحو منتصف أيار (مايو) العام 2009.
من حيث مستلزمات العمل السياسي والدبلوماسي العام فإنه لا ضير في التعاطي مع إسرائيل بنفس مستوى التعاطي مع أي دولة غير عربية من دول هذا العالم أما وأن القضية الفلسطينية هي معيار مستوى العلاقات والتعاطي اليومي مع هذه الدولة فإنه أمر طبيعي أن تكون هناك شبه قطيعة تامة مع نتنياهو وألا يكون هناك أي اتصال مع أفيغدور ليبرمان وأن يكون الابتعاد عنه كالابتعاد عن أي مصاب بداء « الجذام « فالأردن بالأساس ينظر إلى اتفاقية وادي عربة من زاوية استخدامها لمصلحة الشعب الفلسطيني ولمصلحة قضيته التي هي قضية أردنية وقضية عربية.
إنه أمر طبيعي أن يكون الموقف الأردني هو هذا الموقف فعندما يتبع نتنياهو منذ عودته إلى الحكم في ضوء آخر انتخابات إسرائيلية سياسة هدفها تدمير عملية السلام وعندما يمارس كل هذا القمع ضد الشعب الفلسطيني وعندما يعتدي اعتداءً واضحاً، منهجياً ويوميّاً، على الحق التاريخي للعرب والمسلمين والمسيحيين في القدس وعندما تشن إسرائيل تلك الحرب المجرمة على غزة فإن أقل ما يمكن أن يفعله الأردن هو استخدام اتفاقية وادي عربة، كما هي العادة منذ توقيع هذه الاتفاقية، لمصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته.
لكن ولأن هذا الموقف هو موقف سياسي يبقى خاضعاً لأي تحول أو تغيير في السياسات الإسرائيلية تجاه عملية السلام وتجاه استحقاقات استئناف المفاوضات وتجاه الممارسات اليومية ضد الشعب الفلسطيني إن في الضفة الغربية وإن في غزة وهنا وإذا كان هناك بدايات انفراج وإن محدود في الاستعصاء الذي واجهه جورج ميتشل منذ بداية مهمته في الشرق الأوسط فإنه شيء طبيعي أن يتعاطى الأردن مع هذا الانفراج بكل مرونة وكل إيجابية.
لا يوجد في العمل السياسي أسود وأبيض فقط ففي الكثير من الأحيان يصبح ضرورياً ولزوماً الدخول في المساحات الرمادية وهذا هو ما بقي يفعله الأشقاء المصريون منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد وهو ما بقي الأردن يفعله منذ توقيع اتفاقية وادي عربة في العام 1994 فالهدف دائماً وأبداً هو إسناد الشعب الفلسطيني في كفاحه البطولي والعظيم وهو دعم القضية الفلسطينية التي هي في الوقت ذاته قضية أردنية وقضية عربية.
صالح القلاب