نجحت السلطة الوطنية ، في إجراء الأنتخابات البلدية بالضفة الفلسطينية ، يوم السبت 20 تشرين الأول الجاري ، في ظل أجواء من التنافس بين كافة القوى السياسية المشاركة بها وقطاع أوسع من المستقلين ، بهدف تحريك الأجواء السياسية الداخلية ، وتنشيط مؤسسات المجتمع ، وضخ دماء جديدة في شرايين مؤسسات صنع القرار وفي طليعتها السلطات المحلية الحاضنة الحيوية لولادة قيادات ميدانية ذات حضور شعبي في المواقع الجغرافية المتعددة لدى المدن والريف الفلسطيني .
القيادة الفلسطينية ، بإنحيازها لقرار الأنتخابات المحلية لم تلب مطلب الجمهور الفلسطيني ، لإجراء الأنتخابات المؤجلة وحسب ، كي تكون قياداتهم البلدية ، منتخبة من ذاتهم ، بل إنحازت لهذا القرار لأسباب ودوافع سياسية ، أقلها تفعيل المجتمع الفلسطيني وإنهاء حالة الركود والأنتظار التي سببها مسار التسوية والظروف المحيطة المؤثرة على الوضع الفلسطيني ، ومنذ أن وقع الأحتلال عام 1967 ، كان للإنتخابات البلدية دوراً مشهوداً في فرز قيادات وطنية ذات بعد سياسي لعبوا دوراً في قيادة منظمة التحرير ، منذ أيام رؤساء البلديات رشاد الشوا وإلياس فريج وبسام الشكعة وكريم خلف وفهد القواسمي وعبد الجواد صالح وغيرهم الذين لعبوا دوراً سياسياً مميزاً في إدارة المعركة الوطنية ضد الأحتلال ومشاريعه وفي إبراز الهوية الفلسطينية وبرنامج الأستقلال .
حركة حماس قاطعت الأنتخابات البلدية ، في الضفة ، ومنعت إجراءها في قطاع غزة ، تحت حجة أنها تكرس الأنقسام ، مع أن غالبية الفلسطينيين ينظروا إلى الأنتخابات على أنها وسيلة ، وعنواناً لأعادة توحيد المجتمع الفلسطيني ولملمت صفوفه، وفرز قيادات مشتركة وفق إفرازات صناديق الأقتراع ، من كافة التلاوين السياسية والحزبية والأجتماعية .
والملفت للإنتباه أكثر أن توصيات المرشد العام للإخوان المسلمين ، ومكتب الأرشاد ، تدعو إلى المساهمة في الأنتخابات البرلمانية والبلدية والنقابية ، بإعتبارها إنعكاساً لخيار المشاركة والوصول إلى السلطة ومؤسسات صنع القرار ، ومع ذلك ، يقاطع الأخوان المسلمين الأنتخابات النيابية في الأردن ، ويقاطع الأخوان المسلمين ( حماس ) الأنتخابات البلدية في فلسطين .
الأنتخابات جرت في الضفة وسلطات الأحتلال منعت إجراءها في القدس ، ومع ذلك كان الأصرار والقرار الفلسطيني ، بإجرائها تعبيراً عن إنحياز مؤسسة صنع القرار لعملية الأنتخابات ، لتشكل إدانة للإحتلال الذي يمنع إجراءها في القدس ، ويحرم الفلسطينيين من إدارة شؤونهم البلدية .
الأنتخابات البلدية ، في ظل إنسداد الأفق السياسي ومسارات التسوية وهيمنة الرفض الأسرائيلي لكل وسائل وعوامل التعايش وفرض سياسة الهيمنة والتوسع والأستيطان والأحتلال الأستعماري ، تدفع الشعب الفلسطيني نحو البحث عن كافة الأدوات المتاحة لتحريك أوضاعهم الداخلية بإتجاه التصدي لسياسات الأحتلال وأساليبه وأدواته ، فالعامل الذاتي الفلسطيني هو الأهم أمام جمود الحوافز العربية والدولية للتعاطي مع معاناة الشعب الفلسطيني والأستجابة لتطلعاته .