بادرة وطنية طيبة ، تلك التي قامت بها أسرة " العرب اليوم " وحققت من خلالها حضوراً ، وتقدماً ، وأكثر من هدف ، فقد كرمت زميلنا الراحل المبدع محمد طمليه ، بتسمية جائزة لأحسن مقالة صحفية باسمه ، فخلدته ، وهو يستحق التكريم والتخليد ، وكرمت الكتاب الصحفيين من خلال لفت النظر لأهمية مقالاتهم وتكريم أحدهم بالفوز المعنوي لمقالة ، تؤشر إلى أن ثمة إبداع وإلتقاط لقضايا محلية وعربية ودولية ، إجتماعية أو إقتصادية أو سياسية ، وطنية أو قومية أو إنسانية تستحق التوقف لما تحويه من معنى ورمز ورؤية ، فالكلمة هي بداية الأجتياح لتعميم فكرة ،أو إحتجاج ، أو ثورة ، بهدف التغيير ، والصحيفة هي نتاج عمل لمستثمر ، وصحفي ، وكاتب ، ومصور ورسام ، هي إذن حصيلة عمل جماعي ، لتقديم وجبة من هؤلاء للقاريء وللمُعلن .
بادرة العرب اليوم ، فكّر بها وأبدعها الأكاديمي همام خصيب ، وغطّاها ومولها وأقرها رجل الأعمال إلياس جريسات ، وتبنتها أسرة العرب اليوم ، وذوّقها وأعطاها نكهة الأبداع والروعة الشاعر إسلام سمحان عبر إدارته للإحتفال في المركز الثقافي الملكي فقال أرقى المعاني ودلالات مختصرة بأجمل الكلمات ، إذ قال مفتتحاً إحتفالية تكريم الفائزين بجائزة محمد طملية :
" هَزمُتك يا موت الفنون ، قصائد المتنبي ، حداثة بودلير ، روعة رامبو ، مواقف الرزاز ، روح غالب هلسة ، قلب سالم النحاس وسخرية محمد طمليه " ، وأضاف سمحان : " هزمتك يا موت الفنون ، فأذهب إلى حيث شئت ولنا الفن والأدب والكتابة ، يذهب زعيم فيغور أخر ، لكن أمل دنقل ما زال حاضراً ، ويبقى شكسبير وصموئيل وعبد الرحمن منيف ، ومعين بسيسو وناجي العلي وعرار ومحمد طميله " .
إلياس جريسات ، صاحب قضية ، تشعر حينما تستمع إليه أنه شبعان مال وجاه ونجاح ، ولكنه جوعان لعمل وطني ، تقدمي ، إنساني ، ينحاز لأردنيته ، لأنه طاف الدنيا ونجح ، ولكنه لم يجد في غير وطنه الأردن مكاناً للدفء ، والشعور بالأمان وزهو الذات ، وينحاز لفلسطينيته وهو إبن الفحيص ، فلا يجد ما يستحق التضامن والتفاعل والأنحياز إلا إلى فلسطين فهي القضية العادلة ، وهي مولد السيد المسيح وبلده ، وهي جار الأردن الشقيق والتوأم ، وتسمعه وتجده عروبي حتى النخاع بلا إدعاء ، ولذلك فهو ليس رجل أعمال ناجح ، وحسب ، بل هو صاحب قضية وطنية يعمل لها ومن أجلها .
الزميل المحترم الكاتب اليومي في الدستور رمزي الغزوي الذي شارك حنان البيروتي الفوز بجائزة محمد طميله ، " من أول غزواته كسر عصاته " فقد نال الجائزة مناصفة ، ولا شك أنه يستحقها ، ولكنه وقع في مطبين جعلت أغلبية المدعوين من الكتاب والصحفيين في حالة إحتجاج وعدم إرتياح :
أولاً : لأنه عبر عن تضامنه مع الشعب السوري وهذا حق له ، وتمنى " هزيمة الأسد الطاغية " ، فعبر عن إنحيازه لطرف ضد طرف ، وهي قضية خلافية ، ما كان يجب أن يقع بها خاصة وأنه يعرف أن ثمة من حضر إحتفاء تكريمه ، لا يشاركه الرأي في ضرورة " هزيمة الطاغية " بل يرى في نظام حزب البعث غير ذلك ، ويرى في المعارضة والمجاهدين المتحالفين مع الأميركيين والممولين من النظام الخليجي غير ما يراه ، ولذلك كان عليه أن يقبل حضور زملاء له من الكتاب بشيء من سعة الصدر ، خاصة وأنهم جاءوا للإحتفال به ، وكان عليه أن لا يستفزهم بتوظيف الموقع والمنبر لغير مقاصده .
ثانياً : وطالما أنه تحدث عن الطاغية ، فكان الأولى به أن يتحدث عن الطاغية الأسرائيلي ، الذي يحتل أرض شعب فلسطين ، والقدس وبيت لحم وكنيسة القيامة ومدينة إبراهيم ، ويمارس كل أشكال التعدي والعدوان والبطش ، وكافة مسالك الفاشية والعنصرية بحق الشعب العربي الفلسطيني ، فالشيء بالشيء يذكر .
ولكنه تذكر " الطاغية السوري " ونسي العدو الوطني والقومي والديني والأنساني للأردنيين وللفلسطينيين وللعرب وللمسلمين وللمسيحيين : المشروع التوسعي الأستعماري العنصري الأسرائيلي ، فزاد غضب الحضور عليه وضده مما أفقدته ، بهجة النجاح والفوز وأفقد الحضور بهجة الأحتفال ورقي الفكرة ، بتسييس النجاح لصالح وجهة نظر خلافية بين المثقفين والمسيسين الأردنيين ، ومقابل ذلك قفز عن معاناة الشعب الفلسطيني وكأن فلسطين القضية والأنسان والوجع لا تثير إهتماماته ، كما فعل " الطاغية السوري " عنده !! .
لا أحد يزايد على فلسطينية رمزي الغزوي ، مثلما لا يستطيع هو المزايدة على أي زميل بأردنيته ، فالجميع في خندق واحد ، ضد الأحتلال وضد الطغيان ومن أجل الديمقراطية وحقوق الأنسان وصناديق الأقتراع ، ولكن من خلال وجهات نظر ، حيث التعددية ، على أن لا نؤذي بعضنا ونتساهل في إستيعاب بعضنا ، لأن الحياة تتسع للجميع .
ومع ذلك للمناسبة ، ومحمد طميله وأسرة " العرب اليوم " ناشر وإدارة وللمحررين وللفائزين رمزي الغزوي وحنان البيروتي العرفان ، لأنهم فرضوا علينا ما يستحق أن نتوقف عنده ، ونتلوه ، ونتباهى به .