"كلنا نعرف ذاك المأثور الشعبي عن خبز الشعير ، ذاك الرغيف الذي يأكلونه ثم يذمونه ، يتناولونه في جلساتهم كأداة للتندر وفي ليالي أنسهم وحلقات سواليفهم وحكاياتهم ، منتقصين من قدره و دوره في سد جوعهم عندما كانوا يرتجونه ، ويتمنون أن يحصلوا عليه ثم لا يشكرون ، بل يكيلون له ما طاب من كلمات وانتقاصات وانتقادات .
هو لا ذنب له أن مكونه شعير لكنه قام بدوره في إطعام من هم بحاجة في أزمان قست على البشرية وفي أوقات الحروب ،
مع احترامنا للشعير فهو الآن من أهم متطلبات الحياة سواء للبشر حيث يستخدم في كثير من المنتجات أو للحيوان كأعلاف حيث أصبح عملة في يد الدول المنتجة له تلوح باستخدامه لتحقق مآربها عندما يتطلب الموقف ذلك ، فليتنا ندرك أهميته ولا نبقيه مثالا للتندر والإستخفاف وأن تمتليء سهولنا ووهادها قمحا وشعيرا من جديد .
ونحن على امتداد الوطن ، بتنا نسمع ونرى ونقرأ عند كل حدث أو خبر يذاع أو نشاط يقام أو مشاركة محلية كانت أم عالمية ، تبدأ الإنتقادات والتهكمات واتكات الإستخفاف بالإنتشار ، وتبدأ الأصوات المتعالية بالظهور بالتحليل والتشريح وهي في غالبها محبطات ، لا يعجبهم العجب ، ولا يقولون ما يسهم في رفع الشأن بل كل ما يأخذنا نحو الخلف والهدم والشك المريب الذي أصبح سمة الأحداث لدينا والذي لا يسهم سوى بجعل الشجر الرطب سهل التيبس والإحتطاب ويهيئونه وقودا للنزعات والإحتراق ..
وهذه كلها في الغالب ما هي إلا ضرب من تكرار وممارسة لهواية اعتدنا على تمريرها ليل نهار ، وبالطبع هنا يوجد استثناءات لمن يتكلمون من خلال وعي مدرك وعلم أكيد ونقد مدروس ، فهؤلاء نكن لهم كل تقدير وكل إجلال ، لكن الظاهرة الأقوى والمؤثرة على العامة هي للأبواق المتعالية بأصواتها القادمة من رحم أجندات التشكيك الكامن في النفوس والتي تعزف ألحانًا غريبة الوقع على النفوس لكنها تغلف بغطاء الخوف على مصالحكم والسعي لإنقاذكم ، لاتنظر سوى للنصف الفارغ من الكأس أما المليء فهو في طي النسيان ، التي تقض مسامعنا ومشاعرنا والتي تأخذ بنا نحو التراجع لا التقدم ، فالبشر بطبعهم الغالب يميلون لسماع ما يشبع نفوسهم من هرج ومرج فهو من أسباب جعلهم يحسون بأن هناك من يفرغ ما بدواخلهم من عدم رضا او ضعف قبول . ،
النقد البناء هو ما ننشد والإرتقاء في عباراتنا هو ما نود ، فالوطن ليس أداة للتسلية. وليس منصة للتهريج ، فهو من يصون كرامتنا وإن تعثر وهو من يقينا من عوز الأيام ونار الخوف ويمنحنا المكان والأمان والإستقرار إن نحن عرفنا كيف يصان، وإن كان وعينا الوطني قادم من بواعث خوفنا الحقيقي عليه وليس فقط أن نستخدمه أداة للمقايضة كيفما نشاء ، وحيثما تحققت مصالحنا واكتملت غاياتنا ، عندها نكون أبناءه غير عاقين بحقه لأن الأوطان لا تقاس بالمصالح ، نعم هي عليها أن تمنحه الكرامة في عيشه وتمنحه حقوقه المتعارف عليها لدى بني البشر لكن ذلك لا يأتي باستهزاءنا بإنجازاته ولا بتقليل عطاءه ،والإنتقاص من حضوره وجلده على الدوام .
للوطن الحق في أن يفرح ويبتهج وأن يشارك العالم وأن يتفاعل مع كل ما يحدث على امتداد الكون ، فكفى للناعقين الزاعقين دوما من خلف أكمات التبخيس ،الناقدين فقط ليقولوا اسمعونا نحن من سينجيكم من ظلم الأيام ،المتغنين بألحان غريبة الوقع لكنها مغلفة بغطاء العطف والحنان ، يستخدمونها كأداة ليقنعوا بها العوام الأبرياء ، قولوا لهم نحن ابناء هذا التراب وله سنبقى المخلصين المحبين الأوفياء ، المدافعين عن حياضه نسيجه بالأكف والرماح ، فلا تحطوا من عزائمنا فنحن إن كبونا ننهض ولا نسقط، فهذا من شيم الخيول الأصيلة تتعثر لكنها تعود من جديد مثل سنديان الجبال وصخور الوادي مهما قست عليها يد البشر لا تنحني ولا تنكسر وتعود من جديد لتعطي زخما للحياة وظلا للعابرين وخيمة للمستظلين .