خلافا لما كانت تنتظره أوساط إقليمية ودولية وحتى محلية عديدة مهتمة وتراقب , جاء خطاب العرش السامي الذي ألقاه الملك اليوم في إفتتاح الدور العادية للبرلمان , قصيرا ومقتضبا ومغرقا في المحلية الوطنية وتوجيهيا للمؤسستين الحكومية والبرلمانية على حد سواء ! .
في عرف كل مراقب واع نابه , فقد قال جلالة الملك في خطابه , كل ما لم يقله شفاهة إزاء ما يمر به الإقليم هذا الأوان من تطورات متسارعة ورؤية المملكة الأردنية الهاشمية إزاءها , ونآى بمؤسسة العرش وهي رأس الدولة عن أي خوض في تفاصيل ما يدور من أحداث , بإستثناء إشارة لا بد منها , حيال إستمرار الدور التاريخي للمملكة في دعم القضية الفلسطينية والوصاية التاريخية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين .
دبلوماسية " الصمت " التي يمارسها " القصر" منذ شهور عدة , دبلوماسية ذكية في زمن ملتبس ! , زمن يتصرف فيه كل وفق هواه وما يرى أنه في خدمة مصالحه دون سواه , وهنا لا بد لنا ومن حقنا نحن أيضا أن نتصرف وفق هوانا وبما يخدم مصالحنا ! .
ودبلوماسية الصمت هذه , فيها تعبير قوي عن أن أية ترتيبات في المنطقة لن تجد طريقها إلى التحقق بمعزل عنا أو من وراء ظهورنا , فنحن " الرقم الأصعب " بين كل الأرقام , ومن ينتظر منا أن نأتي إليه لإستجلاء ما يجري أو حتى بحثا عن دعم , فليأت هو إلينا إن أراد , وإلا فنحن في محلنا قنطار يصعب على أي كان زحزحته حيث يريد ! .
نعم , قال جلالة الملك كل شيء دون أن يقوله ! , وترك الجميع في حيرة من أمرهم , وهذا بحد ذاته حنكة سياسية لا بد من مقاربتها في هذا الوقت بالذات , فنحن لسنا تابعين سياسيا لأحد , وإنما لنا رأينا ورؤيتنا التي لا بد وأن تكون حاضرة على كل طاولات البحث قبل إتخاذ القرار ! , وأخبرنا الملك نحن الأردنيين بأن لا أحد يحل مشاكلنا بل نحن من يحلها , وحث الحكومة والبرلمان على المزيد من التعاون لتطوير حياة وظروف معيشة الشعب وبكل الشفافية والواقعية .
خطبة العرش إستغرقت بحسب من حسبها وقتا تسعة دقائق فقط , لكنها في عرف كل نابه , أطول من ذلك بكثير جدا , وأجابت ضمنا عن سائر الأسئلة والتساؤلات المعلقة في أذهان الكثيرين , وقالت بوضوح , نحن اليوم " وحدنا " , ولن نستجدي عونا من أحد لدعم خزينة دولتنا , ولن نكون تابعين لأحد , ولن يمر أمر يمس مصالحنا مهما كان الثمن , ولن يكون بمقدور أحد , تجاوز دورنا التاريخي المشرف في الإقليم كله , وعلى صعيد قضية فلسطين تحديدا , ولا إعتماد لنا بعد الله إلا على أنفسنا , وجل إهتمامنا منصب ويجب أن ينصب على حماية حدودنا وبلدنا وها نحن نفعل كل شيء من أجل ذلك ! .
هذا بعض ما فهمته شخصيا من خطاب العرش , وأرجو أن يكون دقيقا , فنحن نجتهد ليس إلا , ومبرر إجتهادنا هو تعلقنا ببلدنا وبقيادتنا وحرصنا على سلامة وطننا من كل شر وشرير , والله من وراء القصد .