أذعنت المعارضة السورية، للطلب الأميركي بعد الضغوط الشديدة التي تعرضت لها، واستجابت لنتائج التفاهم الأميركي الروسي، ووافقت على المشاركة في مؤتمر جنيف2 المقبل، بعد رفض وتردد، وأخيراً بعد إعلانها لشروط مسبقة، أعلنت بتحفظ على موافقتها حضور المؤتمر المقترح الذي تجرى التحضيرات لعقده، بعد تمهيد الأجواء السياسية لدى طرفي الصراع: النظام والمعارضة، والأرضية اللوجستية لدى الأطراف المرافقة أو الآمرة لعقده.
إذعان المعارضة السورية للطلب الأميركي، واستجابتها له، يعكس عدم استقلاليتها السياسية والمالية وافتقادها لحرية التحرك، وارتهانها للقرار غير الوطني المتحكم بأدوات اللعب والعمل، بل هي أسيرة للتحالف الأميركي - الخليجي - التركي، الذي تغيرت مفرداته وطريقة تعامله تعبيراً عما تحقق بين واشنطن وموسكو، سياسياً وأمنياً، وهي حصيلة دفعت إلى اشتداد المعارك وقسوتها على الأرض، لأن نتيجتها العملية هي التي ستحدد ليس فقط شكل المشاركة والأطراف المعنية، بل صيغة وطبيعة النظام الذي يجري الاتفاق عليه وصياغته مستقبلاً.
تنظيم القاعدة الذي لا يرتبط بصلة مع التفاهمات الأميركية الروسية، بل هو أحد أهداف الاهتمام الأميركي الروسي، رفض قرار المعارضة السورية للمشاركة في جنيف، لأنه خارج لعبة التفاهمات، ولذلك سيعمل على خلط الأوراق وتوسيع شبكة المعارضة المسلحة جغرافياً، وهو ما فعله في لبنان، عبر استهداف مواقع حزب الله، والسفارة الإيرانية، وربما بعض المواقع الأخرى كما حصل على الحدود العراقية السعودية، لخلق الأجواء المناكفة، بهدف إفشال جنيف وعرقلة نتائجه سلفاً.
وحركة الإخوان المسلمين عبر أدواتها القتالية، وتحالفاتها، المحلية والإقليمية تسعى لوضع العراقيل الميدانية، ومنها "تحالف الجبهة الإسلامية" الجديد بين سبعة تنظيمات محلية، في محاولة لنسف ما تم الاتفاق عليه بين موسكو وواشنطن، ومواصلة برنامجها، بعد أن فشل في مصر، وكاد في ليبيا وتونس، وبقي أسيراً للانقلاب في غزة، لم يحظ بأي شرعية تكسبه كي يكون بديلاً عن منظمة التحرير وسلطتها الوطنية في قطاع غزة أمام المجتمع الدولي.
في كل الأحوال، لقد فشل النظام في سورية ولا يزال في إنهاء المعارضة السياسية والمسلحة، مثلما فشلت المعارضة في إسقاط النظام وتقويضه، وكلاهما نجح كل من طرفه، في تدمير سورية، وتمزيقها، وفي تشريد شعبها محلياً خارج بيوته، وإقليمياً خارج حدود الوطن السوري، وبات الشعب السوري أسيراً للموت والجوع والتشرد، مثله مثل الليبيين والعراقيين، وتفوقوا على الفلسطينيين بعذاباتهم، وعناوين القسوة التي تعرضوا لها في سنوات النكبة 48 والنكسة 67، وما زالوا، وبدلاً من أن تشكل المعاناة الفلسطينية رؤية وحافزاً للعرب كي يحافظوا على أوطانهم، نافسوا الفلسطينيين في تسجيل المعاناة والعذاب لأنفسهم، لأن الفلسطينيين تعرضوا لغزو أجنبي سرق بيوتهم وحياتهم في اللد ويافا وحيفا وصفد وبئر السبع على أيدي عدو وطني وقومي أجنبي، بينما تعرض السوريون والعراقيون والليبيون واليمنيون وما زالوا على أيدي أشقائهم وأبناء مواطنتهم، ما يتعرضون له من ويلات ودمار وتصفية.
المعادلة الأردنية، وحدها بقيت صامدة، منذ بدايات الربيع العربي، ما نقبله لأنفسنا من مطالبات إصلاحية وتعددية وديمقراطية والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، نقبله للأشقاء من حولنا، وما نرفضه لأنفسنا من عنف وخراب ودمار وموت نرفضه أيضاً لأشقائنا، وهكذا تم استقبال اللاجئين السوريين على الأراضي الأردنية، ورفضنا أي تورط أردني رسمي أو حزبي أو فردي، لأي عمل مسلح من الأردن نحو سورية، ومن يتجاوز ذلك، يتعرض للمساءلة القانونية أمام المحاكم النظامية، وهذا ما يفسر وجود العشرات من الأردنيين وغير الأردنيين أمام المحاكم المختصة، وفي السجون الأردنية، لأن الأمن الوطني الأردني جزء من الأمن القومي العربي، كان وما يزال وسيبقى، ولا بديل آخر عنه.