إعلان مجمع النقابات المهنية الفلسطينية ونقاباتهم الثمانية ، المهندسين ، الأطباء ، المحامين ، الصيادلة ، أطباء الأسنان ، المقاولين ، المهندسين الزراعيين والأطباء البيطرين ، بما تحمل من مضامين " الدعم والتأييد " لخيار التوجه نحو الأمم المتحدة لتغيير صفة فلسطين ، نحو صفة الدولة غير العضو ، بمثابة رسالة وطنية ، تعكس الرغبة والأيمان والثقة بعدالة القضية الوطنية والحقوقية للشعب العربي الفلسطيني ، وبصواب النضال التراكمي ، متعدد الخطوات ، متعدد المراحل ، نحو زوال الأحتلال ، وإجتثاثه ، من بطن الأرض الفلسطينية ، وطرده من على صدرها ، وجلائه الكامل عن وطن الفلسطينيين ، حيث لا وطن لهم سواه بكافة مواقعه الجغرافية ، سواء تلك المحتلة عام 1948 ، في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة ، أو تلك المحتلة عام 1967 في القدس والضفة والقطاع ، فقد وحّد المشروع الأستعماري التوسعي الأسرائيلي ، أرض فلسطين ، ووحّد شعبها ، طالما يرفض الخيار الثاني ، بتقسيم أرض فلسطين بين الشعبين ، حيث لم يعد لأحدهما إمكانية تصفية الأخر ، ولم يعد لأحدهما إمكانية طرد الأخر ، للبحر أو للصحراء ، أو إلغاء وجود أحدهما لصالح الأخر .
رسالة مجمع النقابات المهنية ، في الأنحياز للخيار الوطني المتصادم مع مخططات الأحتلال وبرامجه العدوانية ، يكشف أن مكونات الشعب العربي الفلسطيني تقع في خندق واحد ، في رفض الأحتلال والعمل من أجل الحرية والأستقلال ، وهذا يدلل على أن فصائل العمل الوطني ( فصائل وأحزاب وتنظيمات ) ليست وحدها الملتزمة ، بحقوق الشعب العربي الفلسطيني ، ويجب أن لا تكون ، بل يشاركها هذا الإلتزام ، كافة مكونات الشعب الفلسطيني ، من نقابات ، ومؤسسات وجامعات ، وبلديات وشخصيات ، وبدونها ، بدون وحدتها وتماسكها وتفاهمها ، ووحدة مصالحها الوطنية ، في إطار العناوين الثلاثة : 1- وحدة البرنامج ، 2- وحدة المؤسسة التمثيلية ، 3- وحدة الأدوات الكفاحية المتفق عليها ، لن تستطيع تحريض الشعب وإدارة إحتجاجاته المنظمة ، وقيادته ، ودفعه نحو التضحية في مواجهة الأحتلال المتفوق .
فصائل العمل الوطني تحولت قياداتها وكوادرها ، على أغلبها ، بعد العودة إلى الوطن ، تحولت إلى موظفين عاملين ، وغير متفرغين للنضال والثورة ، كما كانوا في المنفى ، وقد يكون هذا وضع طبيعي في الحياة المعيشية وإحتياجاتها الملحة على أرض الوطن ، في ظل شح الموارد المالية للجميع وعلى الجميع ، وحصيلته أن لا ميزة للحزبيين وللمتفرغيين المنتمين للفصائل ، لا ميزة لهم عن باقي شرائح المجتمع الفلسطيني ، بعد أن بات المجتمع الفلسطيني ، على أرض الوطن ، مجتمعاً متكاملاً ، بشرائحه وطبقاته ، بتنظيماته ونقاباته وبلدياته ، ومؤسساته المدنية ، على مختلف إهتماماتها المهنية والتشغيلية ، وليس مجرد جالية ، تتوزع الولاء ما بين روابط القرى أو نحو الأردن ما قبل عام 1967 ، إنه شعب متميز مصقول يعرف ماذا يريد .
النقابات المهنية ، قد تكون بعض قياداتها حزبية ، فتحاوية أو حمساوية أو جبهوية ، ولكن أغلبية قواعدها ليست كذلك ، وبالتالي على قيادة العمل الوطني أن تفكر جيداً بإيجاد ألية عمل وتنظيم تجمع ما بين الفصائل السياسية ( فتح الشعبية الديمقراطية حزب الشعب والمبادرة وغيرهم ) مع النقابات المهنية ، والنقابات العمالية مع رؤساء البلديات مع مؤسسات المجتمع المدني ، ليكون بذلك مؤتمراً وطنياً خلاقاً يعتمد على المبادرة ، مبادرة العمل على إختيارالبرامج والأدوات والوسائل لمواجهة الأحتلال وتقويضه وهزيمته الأخلاقية ، مبادرة تجمع شعب الضفة في كيفية مواجهة الأحتلال رافعة شعار مركزي ، يضم الجميع ، يقول : إرحلوا عن بلادنا .
ثمة مأزق تواجهه الحركة الوطنية الفلسطينية ، بل والشعب العربي الفلسطيني برمته ، يحتاج ليس فقط لوقفة تأمل وإستذكار ، أو وقفة مناجاة ورجاء ، او لتشخيص الحالة وقراءتها ، بل يحتاج لهذا كله وفي طليعته وقفة عمل للبدء بالخطوة الأولى في رحلة الألف ميل ، رحلة رحيل الأحتلال ، وإستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه وكرامته ، مثل كل شعوب الأرض التي تتوسل الحياة وتعيشها .
النقابات المهنية ، جزء أساس ، من مكونات المجتمع الفلسطيني وفي طليعته ، وعليها أن لا تنتظر مبادرات الفصائل وكأن قادة الفصائل هم قادة المجتمع وحدهم ، وهم لم يعودوا كذلك ، فقد فشلوا ولا أستثني أحداً منهم ، فالفرق بينهم درجات وليس في النوع ، أي لم يعد بعضهم أفضل من الأخر ، بل هم من طينة قيادية واحدة تفتقر لروح المبادرة وللقدرة القيادية ، وعجزهم عن إستنباط الأدوات والوسائل الخلاقة لمواجهة الأحتلال ، فالاحتلال هو المهيمن وهو الأقوى ، وهو صاحب المبادرة في التوسع وفي الأستيطان وفي تخريب الشجر وتدمير الحجر وقهر الأنسان ، هو صاحب المبادرة في السياسة وفي المفاوضات وتحديد أجندتها ، وما على الجانب الفلسطيني سوى التكيف وممارسة ردة الفعل المتواضعة .
النقابات المهنية إلى جانب الفصائل والبلديات والجامعات والشخصيات المستقلة هي المعين الذي لا ينضب من عطاء مجموع الشعب ، هذا ما حصل في عام 1973 ، عام بناء وقيام الجبهة الوطنية ، وهو ما حصل عام ولادة الأنتفاضة الشعبية عام 1987 التي أثمرت عن رضوخ الأحتلال وأميركا وتسليمهما وإعترافهما بالعناوين الثلاثة : 1- الأعتراف بالشعب الفلسطيني ، 2- الأعتراف بمنظمة التحرير ، 3- الأقرار بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني .
المأزق السياسي الذي يعيشه الشعب الفلسطيني ليس مأزقاً قدرياً لا يمكن القفز عنه ، بل هو مأزق مؤقت يحتاج لأدوات ذاتية محركة للفعل الشعبي المناهض برمته للإحتلال المرفوض من كافة طبقات وشرائح ومكونات الشعب الفلسطيني .