مهمتان كل منهما أصعب من الأخرى ، في برنامج حكومة عبد الله النسور : الأولى إجراء الأنتخابات النيابية ، والثانية تنفيذ الأتفاق الأقتصادي مع صندوق النقد الدولي ، ولكلتا المهمتين ، وأمامهما مصاعب كبيرة ، ومشاكل متراكمة ، من الصعوبة القفز عنها وبالضرورة يجب تذليلها ، ولذلك ليس من السهولة إنجازهما ، في ظل معارضة جزئية للأولى بسبب قانون الأنتخاب الخلافي الملزم ، وفي ظل معارضة شبه كلية للثانية ، مما يتطلب العمل لتحقيق المهمتين ، توسيع قاعدة المشاركة والتفهم نحو إستحقاقات المهمة الأنتخابية الأولى ، وإستعدادات التضحية لدفع الكلفة الباهظة لتأمين الثانية .
هامش الحرية المتاح محدوداً ، وهو يزيد من صعوبة تحقيق المهمتين ، وإن كانت الأولى أسهل فالثانية أصعب وأعقد ، ولكن إذا بدء العمل لتنفيذ إستحقاقات الثانية ، قبل الأنتخابات ، فستكون هذه عرضة لهزة قوية تمس حجم وقواعد ونوعية المشاركة بها ، وستنعكس بالتالي على نتائجها بالضعف أو بالتطرف .
نعيش أوضاعاً سياسية وإقتصادية صعبة ، محلياً وعربياً ودولياً ، ولا شك أن رئيس الحكومة عبر محاولاته تبريد الجو السياسي المشحون ، نجح في إجراء حالة من التواصل والحوار ، ونزع فتيل المواجهة ، وجعل الحوار والتفاهم له الأولوية على ما عداه من إجراءات ، سواء فيما يتعلق بكيفية مخاطبته لحركة الأخوان المسلمين وإيجاد لغة مشتركة للتخاطب معهم ، وقراره في تعين واحد منهم رئيساً لجمعية المركز الأسلامي ، أو إطلاق سراح الموقوفين من شباب الحراك ، والتعامل مع القوى القومية واليسارية بإعتبارهم تياراً سياسياً له حضوره وإحترامه ، أو إيلاء الصحفيين مكانتهم المعتبرة ونجاحه بإقناعهم بفض إعتصام الصحافة الألكترونية ، وغيرها من الأدوات ، لخلق حالة من التواصل وعدم القطيعة ، وأن تكون قنوات المعارضة مع الحكومة مفتوحة وإن كانت لم تصل إلى مستوى قبول أولويات كل طرف للطرف الأخر ، فالحكومة ملتزمة بما هو مطلوب منها ، والمعارضة لا تجد نفسها ملزمة بتقديم تنازلات عن إهتماماتها وأولوياتها لمصلحة سياسة لم تكن طرفاً في تنفيذها أو حتى في إستشارتها .
ومع ذلك طالما أن الحوار هو سيد الموقف ، وأن حراك الأحتجاجات في سياقه الطبيعي المدني السلمي والديمقراطي ، وفي إطار إختلاف المصالح والأجتهادات المحلية ، سيبقى ذلك مقبولاً ومستوعباً ، وفي إطار القانون والسقوف الوطنية ، وطالما تتوفر لدينا قيادات حزبية ونقابية ، تشعر بالمسؤولية وأجهزة أمنية ذات طابع مهني ، فسنبقى على شاطئ الأمان .
مر الأردن بظروف صعبة وتجاوزها ، ولكننا نعيش حالة إستثنائية ، تتطلب ، تعاملات وعلاقات وتبادل ثقة إستثنائي ما بين الموالاة والمعارضة ، ومحاولات رئيس الحكومة تبريد الجو المشحون ، وتقديم عرض تقديري تفصيلي لأوضاع " الدولة " الأقتصادية الصعبة ، ظروفها وكيفية التعامل والتخفيف ما أمكن من نتائجها على الأردنيين ، ستبقى موضع مراقبة للتدقيق في مدى نجاحها لتحقيق أهدافها ودوافعها والمتمثلة ببقاء الأستقرار هو سيد الموقف والخلاف في إطار المصلحة العليا لشعبنا وبلادنا .