صدور القانون المعدل لقانون الجريدة الرسمية
كهرباء إربد تعتزم فصل التيار عن عدة مناطق في لواء بلعما غدًا
ستارمر يبحث مع ترامب ملف أوكرانيا وتعيين سفير بريطاني في واشنطن
ورشة حول التثقيف المالي الرقمي للنساء
الجمارك تدعو إلى الاستفادة من الفترة المتبقية لتطبيق القرارات الخاصة بالاعفاءات من الغرامات المترتبة على القضايا ولا تمديد لهذه القرارات
مؤشر بورصة عمّان يسجل ارتفاعا تاريخيا بوصوله للنقطة 3506
محافظة: التعليم العالي بحاجة لمرونة أكبر وتوجه نحو التعليم التطبيقي
مطار الملكة علياء يستقبل أكثر من 8.9 مليون مسافر حتى تشرين الثاني 2025
استطلاع: نسب تأييد مرتفعة بين مواطني إقليم الوسط لمشروع مدينة عمرة وأثره التنموي المتوقع
واشنطن تحتجز ناقلة نفط ثالثة قرب فنزويلا
3 إصابات جراء اعتداء مستوطنين بالضرب على فلسطينيين في طولكرم
سويسرا: منفتحون على حظر دخول الأطفال إلى منصات التواصل الاجتماعي
صدور الارادة الملكية بالموافقة على قانون الموازنة العامة
تعيين حكام مباراتي ربع نهائي كأس الأردن لكرة القدم
جمعية «لا للتدخين»: تخفيض ضريبة السجائر الإلكترونية صدمة ويشجع اليافعين على التدخين
المفرق: حفر 458 بئرا للحصاد المائي
إصدار جدول مباريات الأسبوع الأخير من درع الاتحاد
نظام جديد لتنظيم تأجير وتملك العقارات خارج محمية البترا
جرش تجمع طن نفايات يومياً وحملات مستمرة لمكافحة الإلقاء العشوائي
بقلم: صايل الخليفات - لم تعد مشاعرنا اليوم تنبع من شغاف القلب أو تصدر عن وتين المشاعر فيه، بل أصبحت "بايتات" تنتقل عبر الأثير، و"إيموجيات" تعبر عن أعمق ما فينا حسبما نظن، تحاول الوثوب على ثوابتنا وميراثنا الشعوري الصادق، وطمسه في زمن عنوانه السرعة في كل شيء!
فمنذ أن غزت الشاشات حياتنا وبسرعة البرق، غيَّرت فينا دون إِخْطار أو تنبيه أهمَّ أواصر رباطنا الاجتماعي، وأسباب تآلف أرواحنا، وتجاوُر قلوبنا، وتعاليها على الجراحات والسقطات، فلقاء الأجساد مؤذن بأنس القلوب، وارتباطها بمشاعر الحب والقبول، لكن هذه الشاشات أحدثت في عالمنا ثورة ليست بأقل تأثير من الثورات التي مرت بها المسيرة البشرية، وأحدثت تحولا في معالمها، لكنَّها ثورة أو كما يطيب لي أن أسميها "ثورة المشاعر الباردة"، التي حولت مشاعر الفرح والإعجاب والتقدير إلى "لايك"، والحزن إلى "قلب مكسور"، وأصبحت المناسبات الاجتماعية ، من أفراح وأتراح تختزل في "ستوري" على إنستغرام، أو فيس بوك أو واتس آب، أو غيرها من المنصات مدتها ثوانٍ أو دقائق معدودة، ثم تجفّ إلى الأبد في أرشيف الذكريات الرقمية ، والتفاعل مع هذه الأحداث جعل البهجة تُقاس بعدد المشاهدات، والعزاء يُقدم بـ "ريآكت" حزين!!!
في الأيام الخوالي، كنا نرى الفرح واقعا ملموسا، وصدق التفاعل معه أمرا محسوسا، وللإخبار عن الأفراح وماهيتها طرق متنوعة ، ولكل حالة فرح علامة خاصة: فعلى سبيل المثال: الراية البيضاء تعني "نُفَساء"، وهذه الواقعة تتطلب "عُلبة "حليب نيدو" صغيرة أو متوسطة، مملوءةً من البيض البلدي، وشيئاً من السمن البلدي، وربما إن كان الحال ميسورا علبة من الحلاوة، أو طبقا " ناشد إخوان"، أو بسكويت "فورد"، وربما شيئا من مالٍ قليل، " نصفَ دينار أو دينار" في أحسن الأحوال، وإذا رأيت راية بيضاء متوسطة، ففي الغالب هي إشارة إلى "طهور" ، وهذا يتطلب شيئا من الحلوى وبعض القروش، وأما إذا رأيت أعلاما وزينة وراياتٍ بيضاء، وبيوت الشعر، وأباريق شايٍ ضخمة متناثرة ، ودلالَ القهوة، وقدورَ الولائم الفاحمة، فإن هنالك عرسا، وهذا أيضا له طقوس وتجهيزات معلومة، وقس على ذلك من المناسبات السعيدة ما لها من الإمارات والعلامات .
لكن الفرح آنذاك كان حقيقيا يملأ القلوب، فتُسمع الزغاريد في البيوت، وترى الولائم تحتضن الأهل والأحباب على بساطة الأيام وأهلها، أما اليوم، فالفرح مناسبة رقمية بامتياز... تبدأ الاستعدادات ليس بتجهيز مساحة الأفراح، بل باختيار الفلتر المناسب للصور، وتحديد "الهاشتاغ" الذي سيجعل الخبر "تريندا".
فالعريس يحرص على التقاط صورة "سيلفي" مثالية مع زوجته، والأهل والأصحاب يحرصون على التقاط صور "السلفي" مع العريس مصحوبة بابتسامة عريضة، لا تعكس بالضرورة سعادته بقدر ما تعكس حرصه على الظهور أمام متابعيه، وفي الغالب السعادة مُزيَّفة. أما المدعوون، فمهمتهم الأساسية ليست مشاركة العروسين فرحتهما، بقدر ما هي توثيق اللحظات على هواتفهم الذكية من رقص وغناء وطعام وشراب، والدخول بالمشاركة إلى العالم الرقمي، مع محاولات الظهور بمظهر "اللقطة العفوية" التي تم التخطيط لها لساعات.
كل صورة، وكل فيديو، وكل "ستوري" بمثابة إعلان للعالم: أنني "هنا"، وأنا معكم "سعيد"، وأنتم مدعوون لمشاهدة سعادتي "الرقمية"!
وإذا كان هذا حال أفراحنا، فماذا عن الحزن؟
في الماضي، كان الحزن يجمع الناس في بيوت العزاء وهي بيوت الشعر، ويطبق الصمت على القرية كلها، وترى الحزن ماثلا في وجوه الناس، فالمواساة صادقة، والمشاعر من قلوب سليمة نابعة، فتمر الأحزان مع مشاركة الناس بالوجود الفعلي على أهلها مرورا كريما، أما اليوم، فقد أصبح العزاء "بوست" على فيسبوك، أو "ستوري" على إنستغرام، أو تغريدة على تويتر.
فتجد أحدهم يكتب: "بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، أنعى إليكم وفاة المغفور له بإذن الله..."، وتنهال عليه التعليقات: "البقاء لله"، "عظم الله أجركم"، "إنا لله وإنا إليه راجعون". كل ذلك يتم بضغطة زر، دون الحاجة إلى مغادرة سرير النوم، أو حتى تعديل هيئة الجلوس. والأهم هو أن نضع "ريأكت" حزينًا، أو "إيموجياً" باكيًا، لنثبت أننا "متفاعلون" بألمٍ مع الحدث.
وإذا أراد الناشر أن يكون الخبر أكثر "تأثيرًا"، ينشر صورة للمتوفى بخلفية سوداء، ويكتب عليها بعض الكلمات المؤثرة التي قام بنسخها ولصقها من "جوجل". وهكذا، يتحول الحزن إلى محتوى، و"التعاطف" إلى "تفاعل"، و تتحول المواساة إلى "إيموجي".
لا أحد يلوم، فالعالم الرقمي لا يملك وقتًا للدموع الحقيقية أو الأحزان العميقة؛ كل ما يهم هو أن تبقى الشاشة مضاءة، وأن تستمر "الخوارزميات" في العمل.
ويبقى السؤال: هل أفسدت الثورة الرقمية مشاعرنا؟ وهل يمكن للمشاعر الرقمية أن تنبع من ذلك العضو محل الأحاسيس البريئة النابض بالحياة في أجسادنا؟ أم أننا في الحقيقة أيضا نملك قلوبا رقمية هي التي باتت ترسم علاقاتنا في الواقع؟ هل فقدنا القدرة على الفرح الحقيقي أو الحزن الصادق؟ ربما نحتاج للنظر بعمق في علاقتنا بهذه الشاشات، وأن نتذكر أنها "وهميةٌ"، وأن الحياة تحدث خارجها، وأن الفرح لا يصبح حقيقيًا بـ"لايك"، ولا يُقَدَّر الحزن الصادق بـ "ريآكت" حزين.
لو أغلقنا هواتفنا لحظة، ونظرنا إلى من حولنا، وعشنا اللحظة بكل تفاصيلها، بعيدًا عن عدسات الكاميرات، وهوس "التّرِنْدات"، فالمشاعر في جوهرها حالة إنسانية عميقة، لا يمكن اختزالها في "البكسلات"، أو مجموعة من الرموز التعبيرية.
ولنتذكر أننا بشر لا مجرد ملفات شخصية رقمية، وأن قلوبنا تنبض بالمشاعر الحيّة الحقيقية التي إن أذنَّا بِوَسْمِها، يُنبتُ وابلُها طلعا من المحبة والتوادّ والرحمة متى ما أصاب موات الأحاسيس في متاهات واقعنا الذي نعيش، وأنَّ ما تكتنزه قلوبُنا ليست مجرد "إشعارات" و"أرقام" تُحيلُْْنا إلى ردَّات أفعالٍ مزوَّرة، إذا ما علمنا يقينًا أن الأرقام "منذ خُلِقت " لا مشاعر فيها ولا حياة....