كلنا أسامة يا أوباما!
من الشعارات اللافتة في المظاهرات التي خرجت في كل من أندونيسيا وتونس والكويت والأردن...احتجاجا على الفلم سيئ الصيت: (كلنا أسامة يا أوباما) !
هذه العبارة تختزل كثيرا من الوعيد والتهديد لأمريكا، ولعل تزامن هذه الأحداث مع ذكرى 11 أيلول المؤلمة التي اتهم أسامة بن لادن بالتخطيط لها يكشف عن المخزون العاطفي السلبي الذي تكنه الشعوب العربية والإسلامية لأمريكا.
باعتراف كلينتون أن الفلم مقزز، وتافه في قيمته الأخلاقية والفنية، وهذا يؤكد أنه جاء لإحداث فتنة أو للإساءة الخالصة للمسلمين، وليس من باب انتاج عمل فني يتحدث عن الإسلام مستفيدا من حرية التعبير المباحة للمواطنين هناك، وقد بات معلوما أن الثلاثي الذي قام بعمل هذا الفلم هم من أصحاب السوابق في الكراهية، وإثارة الفتن والأحقاد، وطلب الشهرة، وهذا جميعه يصنف في باب العنف النفسي والديني والأخلاقي.
كنا نأمل أن يتم الاحتجاج على ازدراء الأديان بطريقة حضارية وقانونية، تبتعد عن العنف والتخريب والغوغائية، فلا يمكن العاقل أن يقبل بالعنف وسيلة للحوار، ولا أحد يفضل الانتقام وسيلة من وسائل الرد على أي إساءة، فكيف به إذا أصاب أبرياء لا علاقة لهم بالأمر، وقد يكونون غير راضين عنه البتّة، إضافة إلى حرق الممتلكات، وإزهاق الأرواح.
ولا يمكن لعاقل أن يرضى بالاعتداء على السفارات أو اغتيال السفراء، أو التعرض لمواطني الدول ذات العلاقة، فنحن أيضا لنا سفارات في بلادهم، ومواطنون يعيشون بينهم.
ولا يمكن لعاقل أيضا أن يلوم أوباما أو سفراء الولايات المتحدة الأمريكية، أو غيرها من الدول على قيام أحد مواطنيها بعمل أمر مشين، ولكن هذه الحكومات مقصرة في سنّ القوانين التي تجرم كل من يسئ إلى الأديان والمعتقدات تماما كما تفعل مع من يسيئ إلى الديانة اليهودية، أو موضوع المحرقة وغيرهما، وإذا كان اليهود قادرين على تشكيل قوة ضاغطة لإجبار الآخرين على احترام معتقداتهم بتأثير أموالهم وثقلهم الاقتصادي، فمن حق المسلمين أن يسألوا عن تأثير ترليوناتهم المستثمرة أو المكدّسة هناك؟!
إن سياسات أمريكا في العقود الماضية جعلتها مسؤولة عن جزء كبير من حالة العنف التي يعيشها العالم العربي والإسلامي، فلو نظرنا في أعمار المشاركين في المظاهرات وجدناهم من الشباب الذين عاشوا عمرهم في ظل حكام متسلطين جثموا على صدور شعوبهم لسنين طويلة بدعم من أمريكا وشقيقاتها، وقد سلبوا حريتهم في التعبير، وقيدوا حركاتهم وسكناتهم، وبعضهم أضاقوا شعوبهم صنوفا من العذاب، بل إن أمريكا كانت ترسل مَن تريد تعذيبه إليهم! وكذلك قامت أمريكا بغزو شعوب عربية وإسلامية في عقر دارهم، وقتلت كثيرين منهم، واحتلت ديارهم في العراق وإفغانستان، ودعمت إسرائيل في احتلالها لفلسطين وتدنيس الأقصى، وقمعها للانتفاضة، وفي حروبها مع العرب، ووقفت في وجه كل محاولات إدانتها.
واليوم ما زالت أمريكا سائرة في سياستها فبدلا من تفهمها لحالة الكراهية التي تكنها لها بعض الشعوب، وتعمل على تبديدها تمعن في تحديها، وتسارع بإرسال فرق المارينز إليها بحجة حماية سفاراتها، ولا أدري إن كانت سترسل بقوة لحماية كل مواطن من مواطنيها في كل مكان يكون فيه؟!
كان من الأجدر أن تعمل أمريكا على حالة الكراهية ضدها، التي ستظهر للعيان في أي فرصة تتوافر للشعوب لتعبر عن غضبها المكبوت، فتُخرج العنف الذي عاشت في ظله ردحا من الزمن، فهذا العنف هو بضاعة أمريكية بامتياز، وما نراه اليوم هو رسالة لأمريكا وأشباهها مفادها : هذه بضاعتكم ردت إليكم.
الجامعة الأردنية