كان سؤاله البسيط مفاجئا لي، عندما قال إلى متى تستمر الأمور هكذا وليس هناك تغيير كما حدث في مصر وليبيا وتونس واليمن ؟ ، و نحن من تبجح وقال أن الربيع العربي بدأ في الأردن قبل كل الدول العربية الأخرى ، وقمنا بتقسيم مراحل هذا الربيع منذ بداية هبة الجنوب إلى ثورة الخبز إلى حراك الشارع المنظم الأن ، إذا أين السر كما قال هذا الرجل ؟
وللإجابة على السؤال نقول : نحن في الأردن تم قلب الهرم الطبيعي لبقية الحِراكات في الوطن العربي ، فهي حِراكات قام بها الفقراء وأبسط الناس وأعلنوا رفضهم للظلم وتحكم الطغاة بهم ، وعندنا استبقت كل التيارات السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار حراك الفقراء وتصدرت المشهد ، وأصبحت تعلن مطالبها من الشارع وهي ترتدي البدلات يتقدمها قادة لم يغادروا مكاتبهم الفارهة وبيوتهم الفخمة وإن كانوا يخرجون للشارع .
واستغل هؤلاء القادة صغارالاعضاء في حراكهم من شباب وشحنوهم بالجمل الكبيرة والمطالب عالية السقف وجعلوهم في صدر أي إعتصام أوتظاهرة ، وهم أي هؤلاء القادة يعلمون السر باللعبة السياسية وبتفاصيل الحياة السياسية ومن هنا بدأوا يحددون مطالبهم التي تجاوزت كل منطق ، فهم رفضوا المشاركة في الانتخابات البلدية والبرلمانية أو حتى المشاركة في اللجان الوطنية ، وهم الأن يرفضون الخوض في لجنة تعديل قانون الانتخاب وقانون الاحزاب ، ومن أجل ذلك كثرة الأسئلة التي طرحت حول السقف الذي يريده هؤلاء ، والكيفية التي يريدون بها قيادة البلد وماذا يريدون بالضبط ؟ ، ولكن لا إجبات لكل تلك الاسئلة
وللأسف لم يتعلم اليمين من تجربة اليسار سواء الديني أو الفكري ومارس نفس الطريقة وبدء بتشكيل أحزاب لاتهدف إلا لاخراج قيادت جديدة الى الشارع الأردني، فتاهة بوصلتهم بين سقف مطالب تجاوزت الحدود وبين قناعات ذاتية بأنهم لايستطيعون الإعلان الأن عن أهدافهم مباشرة والمتمثلة بالدخول في معترك الحياة السياسية الأردنية من خلال مقولة للملك ( أن حكوماتنا لابد وأن تخرج من رحم مجلس النواب ) ، وبالتالي كان هؤلاء القادة الجدد لليمين حريصين على إختيار رجالهم من رجال الدولة السابقين الذين لم ينالوا من الجمل ذانه خلال العشرة سنوات من التغيرات الاقتصادية في البلد ، ولم تخرج قيادتهم من دائرة الجيش والأمن العام ورجال حكومات سابقين وقيادات عشائرية شعرت أن المركب قد فاتها منذ زمن للمشاركة في صنع القرار ووجدت في قيادتها للأحزاب المسخة سبيل للوصول إلى صنع القرار ، ولكنها لاتزال إلى الأن تفكر وتتحدث بعقلية القيادة سواء العسكرية أو الأمنيةأو السياسية وهذا ملاحظ جيدا في إستخدامهم للألقاب العسكرية أو الامنية أو السياسية في حديثهم معا أو من خلال الإعلان عن أسماء المؤسسين لهذه الأحزاب وطبيعة هذه القيادات المؤسسة لها .
والاجابة الأخرى على سؤال هذا الرجل البسيط يأتي من حراك الجنوب الفقير الذي يقمع كل يوم جمعة وبكل هدوء وبعيدا عن عين الاعلام الرسمي ، ففي خروج مجموعة من العاطلين عن العمل في الجنوب يمثل أصل الربيع الأردني ولايختلف عن بداية ربيع تونس أو مصر ولكن هذاالحراك الذي يرفض أن يتم تجييره لصالح قيادات تقبع في عمان العاصمة وبعيدة كل البعد عن واقع الحياة المعاش في الجنوب ، نجده يتحرك وحيدا ويخلع شوكه بيده .
وعلينا أن لاننسى أن هذا الحراك الجنوبي يشاهد حالات تجيير الثورات الفقيرة في الربيع العربي لصالح أشخاص لم يعرق جبينهم بقطرة عرق واحد في أي من ميادين التحرير العربية سواء في مصر أو تونس أو ليبيا أو اليمن ، وهم الأن يتسلمون القيادة جاهزة وعلى طبق من ذهب .
وفي نفس الوقت نشاهد الحكومة كيف تتعامل مع الحراكات المطالبة بحقوق عمالية ومالية من مثل المعلمين والممرضين وموظفي الهيئات المستقلة وغيرها من الحراكات المشابهة ، وتقوم الحكومة بتلبية مطالبهم المالية وبسرعة وهي تعلم أن لا نقود في الخزنة تكفي لذلك ، لكن خوفا منها أن تتشابك خطوط تلك الحراكات مع حراك الجنوب الفقير ، وتركت لبقية الحراكات في المحافظات الأخرى الحرية في التعبير عن مطالبها في مكافحة الفساد والفاسدين والمطالبة بإعادة المال العام الذي سرق ،وهنا لاتمانع الحكومة لوجود مثل هذا الحراك لأنه يسير بخطوط مستقيمة مع دورها الحالي في إعادة مفهوم حرية التعبيرفقط كمايطلب منها من قبل جهات خارجية ،وليس نتيجة حقوق مكتسبة طبيعية للمواطن ، وهنا نجد حالة الدكتور العبادي والطالب عدي ابو عيسى اكبر دليل على أنه في النهاية هناك خطوط حمراء لاتسمح بها الحكومة وإن أغضبت تلك الجهات .
وخلاصة الجواب لسؤال هذا المواطن البسيط هو أن ما يحدث في الأردن ليس ثورة جياع كباقي دول الربيع العربي الأخرى بل ثورة قيادات تحاول أن تصطاد في ماء الربيع الأردني العكر جدا جدا جدا من اجل المصالح الشخصية.