أعرف رئيس مجلس الأعيان الأستاذ فيصل الفايز عن قرب , فقد عملت معه مستشارا في رئاسة الوزراء لعدة شهور كانت كافية لأتعرف على نمط تفكيره وأسلوبه في العمل العام , فهو إنسان مباشر يسعد كثيرا إذ يساعد معظم الناس إن لم يكن كل الناس إذا إستطاع , ولا شك في أن هذا هو نتاج تربيته العشائرية البدوية من ناحية , وتأثر شخصيته فوق ذلك , بالعمل طويلا بمعية ملكين هاشميين كريمين من ناحية , إذ من الصعب عنده أن يقول " لا " لصاحب حاجة إن إستطاع ! .
أكثر من ذلك , فيصل الفايز لا يخاصم حتى وإن خاصمه آخرون , ولا هو بالباطني أو قناص فرص , هو في محصلة الامور شخصية طيبة المعشر إلى أبعد الحدود ولا أخال أحدا يعرفه عن قرب يمكن أن يظلم حظه وينكر ذلك , وهو أردني بدوي طبع على التسامح والكرم والصفح وإفتراض حسن النية بكل الناس , وتلك شيم عشائرية محببة يعرفها سائر الأردنيين من كل مشرب ! .
قرأت بيانه التوضيحي حول محاضرته الأخيرة وما أثير حولها من لغط , ولاحظت أن كلامه أخرج عن سياقه العام , فالرجل لم يتعرض للعشائر بسوء قط , وإنما أراد القول بأن العشائرية تطغى على أي تفكير آخر عند صناديق الإقتراع لإختيار ممثلين للكافة , وكلنا ندرك ذلك , فليس سرا أن معظم إن لم يكن كل المترشحين يعودون إلى عشائرهم وعائلاتهم لا إلى أحزابهم إن كانوا حزبيين , وإن فازوا أعلنوا لاحقا أو أعلنت أحزابهم نيابة عنهم , أنهم يمثلونها ! .
هنا يجب التفريق في فهم السياق بين العشائر التي تشكل عصب الدولة بشرف وأهلية وجدارة , وبين العشائرية كسلوك سياسي أو إجتماعي فيه خير كثير , وفيه في المقابل سلوكيات غير ذلك تمارس بإسم العشائرية خلافا للنهج الداعي لإنخراط المجتمع في حياة حزبية كاملة , وهنا فلا ذنب للعشائر ولا للعشائرية ما دامت التجربة الحزبية الأردنية على حالها من ضعف وعدم قدرة على الإستقطاب وإحداث التحول نحو حياة حزبية مجتمعية .
المهم , فيصل الفايز لم يخطيء ولم يرتكب خطيئة أبدا , فقد أجاب عن سؤال مباشر بأسلوب مباشر , وهو إبن عشيرة محترمة لها دورها الاميز في الحياة السياسية والإجتماعية الاردنية عبر تاريخ الدولة كله وما زالت , ومجمل ما فهمته من جوابه وبيانه , هو أنه أراد القول بأن التجربة الحزبية ما زالت غير قادرة على إحداث التحول السياسي في المجتمع , وأن العشائرية ما زالت في المقابل هي البديل السائد في الحياة العامة في القرية والمدينة والمخيم والمدينة على حد سواء , ومن منا ينكر ذلك , وشكرا وألف شكرا للعشائر التي تسد بجدارة هذا الفراغ السياسي بغياب أثر حزبي فاعل ! .
كان يمكن لفيصل الفايز أن يقول ذلك وهو ما أراد قوله فعلا , لكنه ذهب في كلامه إلى الشق الآخر من المعادلة المتلازمة وطرفاها هما العشائر والأحزاب , وهنا جرى فهمه من قبل البعض متسرعين على أنه نقد للعشائر وهو ليس كذلك , وهو ما أحدث زوبعة , وهو ما أزعجه هو كثيرا كما بدا من بيانه وتوضيحاته التي إستغربت شخصيا قوله فيها انه عازم على مقاضاة من أساء إليه , وهنا ليسمح لي بالإختلاف معه , فأنا أعرف جيدا أن هذا ليس من طبعه البدوي العشائري القائم على الصفح والتسامح , فهو من قبيلة أروع ما في خصالها الكريمة " فك النشب " وهو شخصيا في طليعة الشيوخ فكاكين النشب , فإن لم يصفح ويتجاوز , فمن يفعل إذا ! ! . الله من وراء القصد