إن صورة الفساد المستشري في نواحي الحياة العامة و المؤسساتيه ما هو إلا ضرباً من ضروب المراهقة الوطنية وصنفاً من صنوف الفعل الصبياني الغير مدرك لخطورة المرحلة ولأهمية إصدار القرارات التي تمس مساساً مباشراً في حياة و مستقبل العيش للوطن و المواطن.
ألا يعكس صدور القرار الغير مسؤول عن بعض الجهات الوزارية و غير الوزارية إلا حالة من حالات المراهقة الوزارية و المؤسساتيه التي تحكمها الكيدية و النفعية و الجهل بمقتضيات المصلحة العامة و المصالح الفردية لكل مواطن أردني والمتمثلة برفع الضرائب وأسعار الخضار وغيره من المواد التمونية دون النظر إلى دخل المواطن الأردني والتزماته المادية اليومية والشهرية.
اعتقد بأن محافظات الوطن و المنطقة و العالم تشهد اليوم حالة من المراهقة السياسية، و الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية ، قدَرُ الشعوب فيها الجلوس خلف شاشات التلفاز لمتابعة المسلسلات الهزلية و العروض و الصراعات المبتذلة بعدما أصبح هذا التلفاز الشريك الإجباري لكل بيت ولكل أسرة ! ففي هذه الحالة الزمنية المزمنة بل و دائمة تتوافق مع أعراض الإعاقة بجميع أشكالها ، حيث يجب علينا هنا التمييز ما بين الإعاقة التي أعنيها وما بين الاحتياجات الخاصة عند البعض.
نحن نعيش اليوم حالات من الإعاقة التي لا يبدو معها أن المشاكل في طريقها إلى الحل الذي يستعصي معه ظهور البنى الأساسية لأي مشروع فكري أو سياسي أو تنموي عربي يتخطى المعوقات و الحواجز التي يصنعها أولاً مراهقونا الصغار البالغون قبل أن يصنعها مراهقو العالم الصغار الناضجون.
وبناء عليه فإن مجرد الاكتفاء باستيراد أشكال التطور ومظاهر التحديث، لا تجعل من مجتمع ما متقدما، بل المسألة أعمق من ذلك بكثير، ولعل مبدأها تحريك سواكن المجتمع، وتهيئته نفسيا، واستئصال ما يكبله من قيود تعيق حركته باتجاه تفعيل دوره في إنضاج فعل النهضة، لأن التحديث الذي يتجاوز الانشغال بالمظاهر باتجاه التركيز على المضامين، (هو صيرورة تاريخية اجتماعية، تلامس بالدرجة الأولى البنى الأساسية والجوهرية في العملية الاجتماعية بأسرها، فأسس التحديث المجتمعي لا تستورد من الخارج الثقافي والحضاري، وإنما تنبثق انبثاقا من الذات والواقع المجتمعي.
ذلك أن التنمية في فلسفتها العامة لا تعدو أن تكون قضية ثقافية، ولا يمكن بحال اختزالها في زيادة عدد المصانع، أو الآلات، أو وفرة الإنتاج، وزيادة الاستهلاك، وإنما هي قبل هذا وذاك بناء للإنسان، وتحرير له، وتطوير لكفاءاته، وإطلاق لقدراته، كما أنها اكتشاف لموارد المجتمع، وطاقاته المدخرة، وحسن توظيفيها، وتسخيرها، وادخارها، في ضوء استراتيجية، ورؤية علمية للمستقبل، أو لعالم الغد.
وفي خضم كل هذه التفاعلات يظل الإنسان هو وقود التنمية، وغايتها في الوقت ذاته، ومشيدا للعمران البشري، ونتيجة للقفز على الإنسان كعنصر محوري في معادلة التنمية المنشودة، ظل مشروع التنمية والنهوض باهتا تطغى عليه المظاهر ويعوزه الولوج إلى جوهر المسألة لأنه تم في نطاق أشياء الإنسان، وأدواته الاستهلاكية، على حساب الإنسان نفسه، والارتقاء به، كهدف نهائي للتنمية، ووسيلة فاعلة فيها.
فلو قُدر لهذا الوطن رئيساً للوزراء يتلمس هموم العامة ، ويعمل على تفعيله كعنصر محوري أساسي لتغلبنا على كثير من الأزمات الداخلية التي تحيق بنا.