تتوهم القوى السياسية الأردنية ، إذا إعتقدت أن إستحقاقات الربيع العربي تقتصر مطالبه ونتائجه على أطراف النظام العربي أو على مؤسسات الدولة ، بإتجاه التحول الديمقراطي ، نحو حكومات برلمانية حزبية لدى الأنظمة الملكية ، ونحو رؤساء منتخبين من صناديق الإقتراع ، على قاعدة تداول السلطة ، لدى الأنظمة الجمهورية .
لقد جرت التحولات المدنية السلمية الديمقراطية ، بكل من المغرب والأردن بمبادرة من رأس الدولة في كل منهما ، إستجابة للمطالب الإصلاحية ، وتم توفير القاعدة الدستورية والقانونية في كلا البلدين مع الفوارق بينهما وصولاً لإستكمال خطوات التحول نحو حكومات برلمانية حزبية ، وفي البلدان الجمهورية ، جرت التحولات بأشكال متفاوتة في كل من مصر وتونس وليبيا واليمن ، بعضها قطع شوطاً ، وبعضها ما زال في أتون الصراع والمواجهة على طريق التحول ، وهي إستحقاقات لا هروب منها ، مهما تأخر الوقت ومهما تم تضليل الناس أو التلكؤ في التغيير .
النظام العربي ، برمته في طور التغيير ، أسوة بما حصل في أوروبا الشرقية ، وبما يجري في دول أميركا اللاتينية ، من تطور ديمقراطي والإحتكام إلى صناديق الإقتراع ، وهذا التحول سواء كان بطيئاً أو متردداً ، لا يعود لقوة قوى الشد العكسي التي تسعى لعرقلة التحولات الديمقراطية ، وحسب ، بل لعدم قدرة عامة الناس والحزبيين على التكيف مع الجديد الديمقراطي ، والإنتخابات البلدية والبرلمانية في بلادنا ، ونتائجها وإفرازاتها ، أكبر دليل على ذلك .
المبادرة الأردنية للبناء زمزم ، هي التعبير الحزبي السياسي الجماهيري عن تطلعات قواعد وكوادر حركة الإخوان المسلمين ورغبتهم نحو المشاركة والتكيف مع إستحقاقات الربيع العربي ، ولأنها تخرج من رحم أكبر حركة سياسية حزبية أردنية ، كان لها هذا الإهتمام وتسليط الأضواء على عملية الأشهار بما لها من ترحيب أو نقد أو رهان أو عداء ، فقد سبقها حالات مماثلة بولادة التيار القومي التقدمي ، وتجمع الشيوعيين ، وتجمع القوميين ، وخروج كوادر من حزب الوحدة ، فالحالة الحزبية والسياسية الأردنية متحركة ، غير ثابتة أو جامدة ، فهي تتجاوب مع التحولات وتتكيف مع تطلعات شعبنا الذي يرغب بالإصلاح الديمقراطي لكافة مضامين القوى والمؤسسات الفاعلة في المجتمع سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً ، وبما يشمل النظام والبرلمان والنقابات والأحزاب ، ولذلك فالتغيير المطلوب لا تقتصر مهامه على شكل ومضمون نظامنا السياسي ، بل يشمل كافة القوى والمؤسسات الفاعلة في المجتمع ، وإذا دققنا بالأوراق النقاشية التي عرضها رأس الدولة جلالة الملك ، نلحظ بوضوح التناول لكافة هذه المؤسسات ، ولا يقتصر الإهتمام على شريحة أو مؤسسة دون أخرى ، تعبيراً عن إدراكه ومسؤلياته نحو المجتمع والدولة .
في التدقيق بوثائق حركة المبادرة للبناء ، نلحظ أنها وضعت لنفسها أحد عشر هدفاً تسعى لإنجازه ، وعبر ستة مسارات كألية لعملها ، وضمن سبعة سياسات ضابطة لتوجهاتها ، وذلك منذ أن تم عقد اللقاء التحضيري الأول يوم 18 أيار 2013 ، وها هم أصحاب المبادرة يشهرونها يوم الأحد 6/9/2013 ، ولذلك يجب محاكمة المبادرة والقائمين عليها ، بمدى إنسجامهم مع ما يقولوه ، ومدى ما يستطيعون فعله .
حركة المبادرة الأردنية للبناء ، تستحق الأسناد ، ليس فقط لأنها وليدة الربيع العربي ، ورؤيته الأردنية ، بل لأننا بحاجة لحركة سياسية نشطة مبادرة تسعى نحو دولة مدنية حديثة بمرجعية إسلامية ، كما يتطلعون .