صباح الخير على الأحرار الذين ضاقت بهم الآفاق، وهم يبحثون عن وطن يأوون إليه، فلم يجدوه إلا معتقلا وراء قضبان الفساد والاستبداد، فعشقوا السجن ونزلوه مختارين، وحلفوا لا يخرجون حتى يخرج الوطن معهم معافى، وقد انتصف من مبرمجي الفساد فيه.
صباح الخير على الصوت الذي علا في زمن الصمت، وهدر في لحظة السكون، وأعلن الآهَ الطويلة المنبعثة من جراح الوطن - لا جرحه الواحد - الذي أصابته الطعنات في مقاتل في السنوات الأخيرة، ولا مِن منتهبه، ولا معالج!!
صباح الخير على الوجع الذي تولّد واستوطن نفوس الكثيرين من الفقراء، والمحتاجين لا للرغيف واللقمة وأجرة الطريق والبيت وحسب، وإنما للإحساس بمعنى وجودهم في وطن، وشعورهم أنهم شيء في معادلة الحكم والشرعية المسروقة بالتزوير أبدا، لتثمر مزيدا من الحانقين الغاضبين المختبئين وراء قناع الرضا، الذي صنعته آلة الأمن بقوة القهر!!
صباح الخير على ( لا ) الكبيرة المحبوسة في نفوس الآلاف، فأعتقها وأطلقها من قيدها، وأرسلها قطرات من الندى على الأفواه، الذابلة لتنفتح بسلسلة الرفض لسياسات التهريج والترويج والتسحيج للفساد، وجوقة الفاسدين في ميادين الوطن الصغير.
صباح الخير على الحرية المقصوصة الجناح.. قام يصدح لها، وينشد باسمها حرٌّ ملك إرادته فغرد ،حتى نبت ريشها، فقامت كالقُبّرة ترفُّ من جديد، وتحوم في الأجواء، لتنشر روح العصر الجديد، في الأجيال الغافية.
باسم روابدة وهشام الحصة وإخوان لهم أيقونة الحراك، وكاريزما التأثير.. نشوة الحرية.. يقظة الذات.. أرق الفاسد وهواجس المريب، ولولا هذا لم يُعتقلوا، ولما كانوا القرار المضمر في نفس الأمني يتحيّن منهم الفرصة للقصاص والتشفي.
باسم روابدة منسجم مع نفسه، متوافق مع قناعاته، لا يتلقى توجيهات من أحد، ولا يملك أحد عليه سلطة خارج حدود سلطة النصح المبذول من أصدقاء ومقربين، وهو صاحب القرار والموقف، ومسؤول عن قراره، ومستعد لدفع ثمنه ككل الأحرار في التاريخ بلا ندم ولا تأسّف.
لا ينتظر الرجل كما - قلت شيئا - من أحد، لأنه على قناعة أنه إنما يمارس جهادا واجبا، ويؤدي فريضة مستحقة، وأمانة حاضرة، لا ينبغي التفريط بها أو تضييعها، وإن ارتضى الخانعون خيانتها بالتخلي والصمت، فمضى في سبيلِ صاحب الرسالة الأولى - صلى الله عليه وسلم - وهو يخاطب نفسه بثقة:
لا تؤمّل غيرَ قلبٍ ذي ألم *** وادعُ ربا وانسَ كلَّ مَن حَكم
مضى الرجل مع إيمانه وقناعاته وعزمته وإرادته، بعد أن أخفى الخائفون ألمهم، تظاهروا بأنهم على خير، ولا مبرر لتحركهم، وبعد أن رأى الحاكمون أن لا مبرر للاستجابة لمطالب الصامتين ما داموا صامتين، فمضى مع ثلة الأحرار مستودعا الله زوجتان وسرية من الأطفال، يَتربُّون كل يوم على دروسٍ من الكرامة والإباء والحرية ورفض الخنوع والخضوع لقانون القوة وسياسية الاستبداد.
صوت باسم أسد المنصة، وهشام صقرها لم يغيب، وهما لم يغيبا عن الحراك، ولن يغيبا بحال من الأحوال، ولن يؤثر اعتقالهما على ديمومته واتساعه، بل سيشكلان حالة وطنية تستدعي التقليد، وتغري بالتكرار، ولن يُسلمهم الحراكيون للمصير الظالم الموهوم، وستتجدد من أجلهم صور الاحتجاج وتتنوع أشكاله، وستنفتح على سياسة الإخضاع والترهيب سيولٌ من الرفض والعصيان، تضع لطخة من العار على جبين ديمقراطية زائفة، يُبشر بها نظام فقد المصداقية، وأضاع الثقة في حقل الشوك والمراوغة.