زاد الاردن الاخباري -
كان الأصدقاء من الطلبة في صفوف التحليل السياسي يسألون: كيف نحلل ونضع التصورات إذا ظهرت حولنا مئات المؤشرات المتناقضة؟
نعم، إنها مئات المؤشرات المتناقضة بخصوص الملف السوري، نصفها مؤشرات إعلامية تخمينية ضعيفة التحليل وبلا مصدر، وليس لها قيمة فعلا، ولابد من رميها في البحر لتقليص التناقضات، وما تبقى يُقسم لقسمين، القسم الأول هي أحلام وردية لحالمين يرى بعضها أن النظام السوري يتنازل عن السلطة وتأتي المعارضة بهدوء وتستلم زمام القيادة، وكذلك لحالمين آخرين يرون النظام السوري يقهر المعارضة والثورة ويُعيد سوريا إلى محفظته الصغيرة وكأن شيئا لم يحدث، وهذا القسم، قسم الأحلام الوردية، سنلقيه أيضا في البحر.
في الربع الأخير من المؤشرات، أي القسم المتبقي العملي، الذي نرى فيه الحقيقة، لكن من وجهات نظر مختلفة، ومتناقضة أيضا، نشاهد مؤشرا يتحرك بإتجاه التدخل الأجنبي في سوريا، مدعوما بقوى جاهلة غير مهتمة فيما سيحدث نتيجة ذلك، ولا يعنيها كثيرا ما سيحدث لسوريا بعد نظام الأسد، ولا تهتم لماهية القوى التي قد تُسيطر على دفة القيادة، أو تتصارع عليها، وكذلك ليست على علم أو دراية بما ينتج عن سقوط النظام السوري، وإندلاع أعمال عنف قد تطول مع البلدان المجاورة مثل الأردن ولبنان وتركيا والعراق، ولا أعتقد أنها حسبت أية حسابات عميقة تتعلق بالقوى الأخرى كأيران والصين وروسيا من جهة والإتحاد الأوروبي وأمريكا من جهة أخرى، وإذا كان هذا المؤشر هو الدليل لخريطة الأحداث، فلا يتوقع أحد أن يختلف ما حدث في ليبيا مع ما سيحدث في سوريا مع فارق كبير، مضاعفة عدة مرات في حدة النتائج بسبب العسكرة الطائفية المتحفزة التي تريد تصفية حسابات لم يتم تصفيتها منذ زمن بعيد.
نشاهد أيضا مؤشرات تحكي قصة مجموعة أخرى مهتمة بالتدخل الأجنبي، مثل إسرائيل، لكنها تريد ما يكفيها من الضمانات بشأن النوعية التي ستتولى الحكم بعد ذلك، ومهتمة بقوة بشأن السلاح الكيماوي الذي يخبئه النظام السوري بعيدا عن أعين الجميع، ويهدد بإستخدامه، أو استخدمه حسب مزاعم هذه الفئة التي تروج للنظرية لإستفزازه بشكل أو بآخر، وهم أصلا عباقرة في الإستفزاز، وتلك حكاية أخرى سأقصها عليكم لاحقا، وينضم لإسرائيل كل من أمريكا وتركيا وبعض دول الإتحاد الأوروبي، المتعطشون لمعرفة هوية النظام القادم لسوريا، سواء بالعنف أو بالديمقراطية، وخائفون ويتابعون، لحظة بلحظة، موضوع السلاح الكيماوي وحجم كل فئة متصارعة، وحجم السلاح لديها، ويرصدون ذلك، عبر وكلائهم، ساعة بساعة.
هناك من يقدم مؤشرات حقيقية لكنها مضطربة، كالأردن، الذي لم يحسم أمره بعد، بشكل واضح لا لبس فيه، فالنظام يقول أنه ضد التدخل العسكري الأجنبي في سوريا ولن يسمح به، الشعب يردد ذات المقولة، المعارضة تقول أنها ضد التدخل وضد مشاركة الجيش الأردني لأية عمليات عسكرية لكنها في النهاية، وحسب المؤشرات الصادرة عنها، تريد إنهاء الأمر في سوريا لصالح المعارضة والثورة، السعودية تدعم الأردن وتؤكد على البحث عن طريقة لإسقاط النظام السوري دون تدخل أجنبي، مصر متأرجحة مضطربة بمسائلها الداخلية ولا يجد الرئيس مرسي مدخلا واحدا للإخوان المسلمين ليحصلوا على قطعة كبيرة من "الكعكة" السورية، فلا يسمع منه أحد سوى محاولاته الأخيرة، بعد زيارة إيران وروسيا، أن يؤشر أنه يحاول إقناعهم أن الإخوان هم الوجه الآخر للعلمانية المطلوبة، وأنها الوجه الثالث للتشيع السياسي، ودليله أن إسرائيل، ترحب أن يتولى الإخوان الحكم في سوريا !
لا نريد أن نطيل عليكم، فالمؤشرات المتبقية تحتاج إلى عشرات المجلدات لتفصيلها، ولكننا أجبنا الأصدقاء في صفوف التحليل السياسي أنه إذا تعاظمت المؤشرات المتناقضة، فادرسها جميعا، وبعد ذلك عليك أن تستخدم جميع حواسك لتحليلها، وسيقودك حدسك، بلا شك، بالعلم والمعرفة أولا، وبالبحث والتحليل ثانيا، وبالإحساس أخيرا إلى وضع الرؤية والتصور الذي سيحدث فعلا !
مع أن كل المؤشرات حول سوريا تقول بصوت عال ومسموع أن طبول الحرب لم تقرع بعد، لكن رائحة الفوضى والعنف والدم والدمار والخراب في سوريا لما بعد الحرب، قد بدأت تنتشر من الآن، وأكاد أرى تلك الصور الحزينة التي تعرفونها، الواحدة تلو الأخرى.