عبدالرحمن الدويري
غبت طويلا أيها العربيُّ، ، فإلام َهذا الغيابُ؟
ما أبطأ بكَ؟ وما الذي أقعدك؟!!
ونمت كثيرا أيا المسلمُ، فهل ما زالت لديك قدرةَ الصحوِ؟!!
مكانُكَ في العالمينَ شاغرٌ، شغلتْهُ مسوخٌ نكراتٌ، وتسوّد عليك أسافل إمّعات.
صِرتَ عارًا في البرايا: معرضاً عمّا فيه صلاحُ حالِكَ، عاشقاً للعبوديةَ، زاهداً بطاقاتِكَ الذَّاتيةَ، وَاهِماً بعجز ِأَدَواتِكَ، مخَدوعاً بضلالات أسيادِكَ، قانعاً منهم بالفتات.
ما زال في العِرق نبض، وللعين بريق، فهلْ يصدقُ فيكَ ظنِّي لأرى إطلالتَكَ البهيةَ وهيَ تُعلنُ عن زَمَنِكَ الجديدِ؟!!
عُدْ ثائرًا أوْ لا تَعُدْ *** فالنَّاسُ تَرْسِفُ في كَبَدْ
والنَّذلُ أطْبَقَ كَفَّهُ *** سَرَقَ الوَليْدَ ومَا وَلَدْ
ذِئْبُ المزابل في الدُّجَى *** قَادَ الثّعالبَ في البلَدْ
والأسدُ مَلّتْ دَرْبَها*** نامَتْ، أفاقَتْ ظُهْرَ غَدْ
بعدَ الزَّئيْرِ اسْتَنْعَجَتْ*** والعَيْنَ غشَّاها الرَّمَدْ
والكَفُّ عَافَتْ ظُفْرَهَا *** والشِّدْقُ حَلاَّهُ الدَّرَدْ[1]
سِحْرُ الْمُدَجّلِ لَفَّهَا*** رَضِيَتْ بأوهامِ الرَّغَدْ
فالوَهْمُ يُقْعِدُ مَارِداً *** زَمَّ العَزِيْمَةَ بالزَّرَدْ
جَهِلَ الحَقِيقَةَ بعدما *** حُقِنَ الخَديعَةَ في الْمَهَدْ
عُدْ وانْفُضِ الوَهْمَ الّذي *** في بُؤْرَةِ الوَعْيِ رَقَدْ
إنْ قُمْتَ تَمْسَحُ جَفْنَه *** جَاءَ المخدِّرُ بالمدَدْ
والوقتُ ليسَ بمسْعِفٍ *** مَنْ أشبعَ الأزْماتِ عَدْ
والحَلُّ وَقْفَةُ حَازمٍ *** شَدَّ السّوابحَ واجتهَدْ
مِنْ جَمرِ آياتِ الهُدَى *** شَرِبَ العزيمةَ فاتَّقَدْ
لمْ يَرْضَ عَارَ مُذَلَّلٍ *** بَلْ أوسَعَ الأصْنَامَ هَدْ
وإذا المنِيَّةُ زَغْرَدَتْ *** كانَ الوفِيَّ لما وَعَدْ
فالحقُ يُؤْخَذُ عُنْوةً *** والنّصْرُ يُشرقُ بالجَلَدْ
مَنْ خَافَ قَطْرَ دِمائِهِ *** عَاشَ المهانَةَ لِلأبَدْ
*********
يا وَجْهَ أمَّةِ أحمَدٍ *** يا غائبًا طَالَ الأمَدْ
هذي الخلائقُ غيرُنا*** رَدَّتْ على جَزْرٍ بِمَدْ
أرْْسَتْ ثَوابِتَ عَصْرِها *** لَبِسَتْ عَباءاتِ السّعَدْ
لونُ الدِّماءِ نَسيجُها *** والوَشْيُ بَسْماتُ الغَرَدْ[2]
في مَسْرَحِ الكونِ غدَتْ *** حُلْمًا لأجْيَالٍ جُدَدْ
كَرِهَتْ سِياسةَ مَاكرٍ *** خانَ الإلهَ بما جَحَدْ
لا قائِدٌ ربٌّ ، ولا *** عَبْدٌ بأعْتَابٍ سَجَدْ
يَرْمِي الزُّهورَ بوجهِهِ *** عِشْتَ الزّعَامَةَ لِلأبَدْ
نحنُ العَبيدُ فَقُمْ لَنا *** طَأْهَا الرِّقابَ، وَتُفَّ خَدْ
والْعَبْ بِنا شَمْسَ الضُّحى *** وَاسْمُرْ بأنْهَارِ الزَّبَدْ[3]
وانتِفْ لِحَى مَنْ ناكفوا *** واحْلِقْ شَواربَ مَنْ مَرَدْ
نحنُ الخِرافُ بِمَرْجِكُم *** لَكَ روحُنا بعدَ الجَسَدْ
**********
يا أيُّها العَرَبيُّ قُمْ *** أَنْهِ المهَازِلَ والنَّكَدْ
وَصِفِ الأُمُورَ بِوَصْفِهَا *** وَمِزِ الصَّوابَ وَحُدّ حَدْ[4]
وَتَوَلَّ أمْرَك كُلَّهُ *** وَاجْحَدْ وِصَايَةَ مَنْ فَسَدْ
وارْقُبْ مَداخِلَ مَكْرِهِ *** واجْعَلْهُ في عَيْنِ الرَّصَدْ
أذْهِبْ سَعَادَةِ يومِهِ *** كَثِّرْ بِمَسْعَاهُ العُقَدْ
حتَّى إذاما ضَاقَ صَدْ *** رًا بالرَّقابَةِ فارتَعَدْ
وَدَعا خَبائثَ طَبعِهِ *** وَأتَى المحَارمَ واستَبَدَ
فاشْدُدْ على رُكْبَانِهِ *** بالحَبْلِ والسَّيْفِ المُعَدْ
واكْشِفْ قِنَاعَ خَفَائِهِ *** وافْرِ الدَّمَامِل والغُدَدْ
واطمِسْ على آثَارِهِ *** واجْعَلْهُ في السَّمْعِ بِدَدْ
واكْتُبْ عِظَاتِ مُجَرِّبٍ *** مَضَغَ الدَّوَاهِيَ بالخَلَدْ[5]
لا الخِبُّ يَخْدَعُهُ وَلا *** يَرْضَى الخَدِيْعَةَ مِنْ أحَدْ[6]
********
يا أيُّها المِغْوَاُر عُدْ *** إنَّا على سَفحٍ وَهْد[7]
الحُكْمُ ذَلَّ جَبِيْنُهُ *** والعِلْمُ بُرْكَانٌ خَمَدْ
وَالعَيْبُ أُعْلِنَ عُرْسُهُ *** وَالضَّيْفُ أَشْبَاهُ القِرَدْ
والفَضْلُ طَلّقَ أَهْلَهُ *** عَشِقَ العُزُوبَةَ وَالزَّهَدْ
والحَوْضُ حُلِّلَ لِلْعِدا *** والشَّعْبُ تَنْوُرٌ بَرَدْ
فالخائبُ السَّعْيِ اِلْتَهَى *** والعَارِفُ الفَهْمَانُ صَدْ
أنَكَى الأَرَاذِلُ ظَهْرَنَا *** كَمْ جَرَّدُونَا مِنْ سُدَدْ[8]
هَلاَّ عَجِلْتَ لِقَفْرِنَا *** تُحْيِيْ بِحَبَّاتِ البَرَدْ
مَسَْحًا على وَجْهٍ غَفَا *** نَفْخًا على جَمْرٍ هَمَدْ
أَقْدِمْ بِأنْوارِ السَّمَا *** وَاهْبِطْ بِأَسْبَابِ الرَّشَدْ
وَلِّدْ قِيَادَة عَصْرِنَا *** أَرْجِعْ لِصَفِّكَ مَنْ شَردْ
أَشْرِقْ بِوَجْهِ مُحَمَّدٍ *** أَشْرِقْ فقَدْ عَزَّ السَّنَدْ
[1] - الدرد: ذهاب الأسنان
[2] - الوشي: التطريز المزين للعباءة والرداء
[3] - إشارة لحديث العثائية(أنتم يومئذ كثير لكنكم غثاء كغثاء السيل).
[4] - مز: ميّز
[5] - مضغ الدواهي بالخلد: أي ذو خبرة بالحياة عرف أسرارها وخداعها.
[6] - الخب : المخادع اللئيم
[7] - وهد: انحدر وهبط
[8] - السدد: جمع سدة وهي العتبة والمقصود، المواقع المهمة ومراتب الحكم.