في حديث سابق مع رئيس جمعية حماية المستهلك حول أفضل الطرق لمنع التلاعب بأرواح المواطنيين من خلال بيع المواد الغذائية الفاسدة ، أجاب أننا ما زلنا نخاف من الإعلان عن مصدر هذه المواد ، ومن منطلق أن باب التشهير مرفوض نهائيا لدى الجهات الرسمية وذات العلاقة .
لنقف عند هذه المسألة ونرتب أوراقنا بكل هدوء ، في البداية نحن نتحدث هنا عن أرواح مواطنين وليس مجموعة من الأفواه الجائعة ، وكذلك توجد في منتصف هذه المعادلة قدرة شرائية ضعيفة جدا عند المواطن ، وكذلك توجد رغبة جشعة من قبل التاجر لتحقيق أكبر هامش ربح دون النظر لأي مسؤولية إجتماعية تجاه هؤلاء المواطنين ، وبالتالي نجد أن تلك الأمور الثلاثة تخضع لرقابة جهتين الأولى دوائر الصحة في البلديات والثانية الإدارة الملكية لحمائة البيئة .
ومن خلال تجربتي في تغطية تلك الحالات وجدت أن الإدارة الملكية لحماية البيئة تمارس عملها من خلال أسس أمنية صارمة ، وتستخدم اسلوب التقصي والمراقبة للوصول الى هذه المواد قبل نزولها في الاسواق ، وهذا الأمر يتطلب منها عملا ذو صفة سرية عالية لأسباب عدة أولها أن هناك منافذ لدى التجار يستطيعون من خلالها الحصول على المعلومات الخاصة بقيام حملات مداهمة أو تفتيش ، وهذا يزيد من العبىء الميداني على هذه الهيئة ، وفيما يتعلق بدوائر الصحة في البلديات وجدت انها هي مصدر التسريب بل هي التي تعطي مبرارات عدة للصحافة كي لاتنشر أي خبر عن وجود مواد تالفة وغير صالحة للإستهلاك .
ومن متابعتي لأكثر من حالة عن اتلاف مواد غذائية غير صالحة للإستهلاك وجدت أن موظف القسم الصحي في البلدية يكون من أكبر المدافعين عن التاجر ، بل أنه دائما لديه جمله جاهزة وهي أن التاجر قد ابلغهم بوجود هذه المواد وانه قد وضعها في المستودع لغايات الإتلاف ، ولكن واقع الاحداث يختلف كثيرا لأن الجهة الأمنية وذات العلاقة تؤكد لنا أن هذه الكميات من المواد الغذائية التالفة قد تم مراقبتها لفترة زمنية ومن خلال البحث الغير معلن يتم مسكها وبالتالي إتلافها .
وبالعودة الى لب القضية وهو ضرورة الحاجة لوجود قانون يسمح للجهات ذات العلاقة وخصوصا الصحافة أن تقوم بالاعلان عن أسم التاجر أو المحل الذي تم ضبط المواد الفاسدة فيه ، لأنه في حالة الإعلان سنكون قد تجاوزنا بقاء الجزء الرئيسي من القصة مخفياً وهو التاجر سواء بائع الجملة أو بائع التجزئة ، وفي نفس الوقت علينا إلغاء الدور الرقابي لأقسام الصحة في البلديات على بيع المواد الغذائية وإقتصار هذا الدور على الإدارة الملكية لحماية البيئة وإعطائها صلاحيات أكبر وقدرة تنفيذية أوسع ، والعامل الأخير هو تفعيل قانون التشهير وعدم أخذ خاطر لأية جهة كانت وراء وجود هذه المواد الفاسدة في الاسواق وكما نسمح لأنفسنا أن نعلن عن تحويل شخص ما لمكافحة الفساد ونعلن عن أسمه ما هو المانع من إلاعن اسم البائع الذي يبيع مواد غذائية فاسدة ، أليس يكفينا فساد الرجال ليأتينا فساد طعامنا وطعام أولادنا فمن يبيع الغذاء الفاسد يتساوى مع الفاسد الذي يتغول على المال العام ويتساوى مع الأثنين الموظف الذي يجد لكليهما مبرارات فسادهم .