آثار سلبية محتملة على سوق العمل بعد وقف إعفاءات السوريين
فريق مكافحة الإرهاب المائي يحصد لقب “المحارب المائي” في ختام منافسات الكتيبة الخاصة/71
عشيرة أبو سنيمة تنشر صور أبنائها الذين قتلوا أبو شباب - بيان
(خضرجي) يقتل أجيره في الأزرق .. جريمة مروعة وقعت صباح اليوم - تفاصيل
تعديل المرحلة الثانية من خطة ترمب .. هل ينقذ وقف النار بغزة؟
البكار : 6 آلاف عاملة هربت من منازل الأردنيين
الأردن .. القضاة: 284 ألف زائر لمهرجان الزيتون الوطني حتى الخميس
يديعوت: مقتل ياسر أبو شباب بضرب مبرح من عناصر داخل عصابته
الاستراتيجيات الأردني يصدر تقريراً عن فرص الاستثمار في الاقتصادات الآسيوية
زعيم الطائفة الدرزية في (إسرائيل) ينتقد حماية ترمب للشرع
النشامى يترقبون قرعة كأس العالم 2026 في أول مشاركة تاريخية للمونديال
قصف إسرائيلي على ريفي درعا والقنيطرة في سورية
نقيب المقاولين: طرح الثقة بمجلس النقابة "غير قانوني" في اجتماع السبت
هيئة النزاهة: استعادة 100 مليون دينار سنويا عبر التحقيقات وملاحقة قضايا الفساد
الرئيس اللبناني: هدف المحادثات مع إسرائيل تجنب شبح حرب ثانية
أسعار الغاز الطبيعي تصل إلى أعلى مستوياتها في ثلاث سنوات
من السجن إلى الملعب .. لاعب برازيلي يخوض النهائي بسوار المراقبة
ميدالية برونزية لمنتخب التايكواندو في بطولة العالم تحت 21 عاما
الأرصاد العالمية: 2024 العام الأكثر حرارة في الوطن العربي
سندس نوفل - سوق العمل الأردني يتحول بسرعة الى بيئة مليئة بالضغط والتحديات، حيث يختار الموظفون ترك وظائفهم أكثر من أي وقت مضى، حيث تشير احصاءات غرفة صناعة عمان (2018) GIZ الى أن معدل دوران العمل في القطاع الصناعي بلغ 20.6% سنويًا، بينما تراوح معدل الدوران في بعض المصانع بين 20% و26% حسب تقرير Better work Jordan 2024.
هذا الارتفاع لا يعكس مجرد أرقام، بل يظهر تغيير وعي الموظف، لم يعد العمل مجرد أداء مهام، بل أصبح البحث عن بيئة عادلة، أمان وظيفي، وضغط معقول للحفاظ على الصحة النفسية والإنتاجية، حيث يعد ترك الوظيفة اليوم هو خيار واعٍ ضد بيئة العمل المرهقة وغير العادلة.
الاستقالات بين القانون والواقع العملي.
رغم أن قانون العمل الأردني يمنح الموظف في إنهاء عقده ضمن شروط واضحة، إلا أن تزايد حالات الاستقالة في السنوات الأخيرة تعكس فجوة بين النص القانوني والواقع العملي في بيئات العمل، فبحسب المادة (23) من قانون العمل رقم (8) لسنة 1996، يحق للعامل تقديم استقالته بشرط اشعار صاحب العمل قبل 30 يومًا، لكن المادة (29) تمنح العامل الحق بترك العمل فورًا ودون اشعار، اذا تعرض للإساءة، أو الخطر، أو كلف رمهام لا تندرج ضمن طبيعة عمله.
هذه المواد تعكس إدراك المشرع لأهمية الكرامة والعدالة الوظيفية كشرط اساسي لاستمرار العمل. ومع ذلك، تظهر الأرقام أن بيئات العمل في الأردن ما زالت تُنتج أسبابًا كافية لدفع العامل الى اتخاذ قرار الاستقالة. فالكثير من الموظفين لم يعودوا يقبلون بالضغوط الزائدة أو ضعف الحوافز أو غياب التقدير، بل أصبحوا أكثر وعيًا بحقوقهم، وأكثر جرأة في المطالبة ببيئة عمل تُحترم فيها إنسانيتهم قبل إنتاجيتهم.
*تجربة واقعية تكشف عمق الأزمة وراء الأرقام والنصوص القانونية.
هناك قصص حقيقية تعبر بوضوح عن الأزمة التي يعيشها العامل الأردني.
تقول (ا.خ)، وهي موظفة في الثلاثينات من عمرها، إنها اضطرت للاستقالة من ثلاث وظائف مختلفة خلال السنوات الأخيرة، بعد أن تعرضت لضغط كبير من إدارات العمل المتعاقبة، تضيف أنها كانت تكلف بمهام إضافية حتى في أوقات راحتها، وأحيانًا يُطلب منها إنجاز أعمال من المنزل خلال عطلاتها الأسبوعية، ما جعلها تعيش في حالة توتر دائم وقلق مستمر.
وتقول إن استمرار هذا النمط من العمل "أثر على حياتي الاجتماعية والشخصية بشكل كبير، حتى أصبحت أتوتر من أبسط المواقف اليومية بسبب الضغط المتراكم في بيئات العمل السابقة"
ثلاث تجارب متكررة جعلتها تدرك أن الاستقالة ليس هروبًا من المسؤولية، بل وسيلة لحماية النفس من الانهيار النفسي في بيئة عمل تفتقر الى العدالة والاحترام الإنساني.
عرض الاحصاءات وتحليلها.
تشير دراسة غرفة صناعة عمان بالتعاون مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولي(GIZ) الى أن معدل دوران العمالة في القطاع الصناعي الأردني بلغ 20.6% سنويًا، ما يعادل تقريبًا واحدًا من كل خمسة موظفين يغادر وظيفته خلال السنة الواحدة.
وكذلك يظهر تقرير Better Work Jordan لعام 2024، أن بيانات من مصانع الملابس والنسيج في الأردن بينت مؤشرات دوران مرتفعة، ما يعكس أن قضية مغادرة الموظفين ليست محصورو بقطاع أو شركة واحدة فقط.
هذه الأرقام تعكس أن ظاهرة الاستقالات في الأردن تجاوزت كونها "حالات فردية" لتصبح اتجاهًا بنيويًا يستحق الدراسة والتحليل، ومن هنا يكمن استخلاص أن الضغط المتزايد في بيئات العمل السامة، الى جانب غياب العدالة في الإدارة، من أبرز الأسباب التي تدفع الموظفين الى الاستقالة، ففي بعض المؤسسات يُمنح التقدير والاهتمان لأشخاص لا يلتزمون بأوقات الدوام أو لا يبذلون جهدًا حقيقيًا، في حين يُتجاهل الموظف الجاد والملتزم الذي يتحمل الأعباء الأكبر، كما أن العمل لساعات اضافية دون مقابل يُفاقم الإحباط والشعور بالظلم، هذه الظروف جميعها تؤدي الى احتقان نفسي واجتماعي لدى الموظف، فتنعكس على سلوكه وتواصله مع الآخرين دون أن يدرك أن سبب توتره نابع من الضغط الذي يعيشه في عمله.
نماذج الشركات الإيجابية.
بالرغم من وجود شركات تتسم ببيئات عمل سامة وضغط متزايد على الموظفين، إلا أن هناك شركات أخرى نجحت في بناء بيئة عمل صحية ومحفزة، حيث يشعر الموظف بالرضا والدافعية، ويكافأ على جهوده بطريقة تعزز انتماءه للمؤسسة.
من أبرز هذه النماذج في الأردن شركة أمنية، التي حصلت على شهادة أفضل مكان للعمل لعام 2024، لتصبح بذلك أول شركة اتصالات أردنية تنال هذا التميز، ويعد هذا التكريم اعترافًا بجهود الشركة في ترسيخ ثقافة عمل ايجابية، وتوفير فرص للنمو المهني، وتمكين الموظفين في إطلاق إمكاناتهم الكاملة.
كما نال البنك الأهلي الأردني شهادة أفضل الأماكن للعمل لعام 2024، بعد خضوعه لمنهجية تقييم شاملة تعتمد على ثمانية معايير رئيسية، تشمل القيادة، وسياسات الموارد البشرية، والتعويضات والمزايا، والعمل الجماعي والعلاقات الداخلية، ومشاركة الموظفين، ومكان العمل، والمسؤولية الاجتماعية.
أما بنك الإسكان، فقد حصل على لقب أفضل صاحب عمل في الأردن لعام 2025 للعام الثالث على التوالي، تقديرًا لالتزامه بتوفير بيئة عمل مثالية تدعم التطوير المهني والنمو المستدام، من خلال التدريب المستمر، وفرص التطوير، والحوافز، وتعزيز المشاركة المجتمعية.
نماذج لشركات عالمية ايجابية
رغم الصورة القاتمة التي تعكسها بيئات العمل المجهدة في بعض المؤسسات، إلا أن هناك شركات عالمية نجحت في بناء ثقافة عمل قائمة على الاحترام والتحفيز والرفاهية الوظيفية، ما جعلها تصنف ضمن أفضل أماكن العمل عالميًا.
فقد تصدرت شركة " Nvidia" قائمة مجلة Time لعام 2025 لأفضل الشركات في العالم، بفضل بيئتها الداعمة للابتكار وتقديرها للموظفين بوصفهم شركاء في النجاح، لا مجرد عاملين مأجورين، كما حافظت " Microsoft" على مكانتها ضمن أفضل الشركات للعمل، لما توفره من فرص تطوير مهني مستمرة، وتوازن صحي بين الحياة الشخصية والعمل، إضافة الى برامج الرفاه الذهني والنفسي التي تقدمها لموظفيها.
هذه النماذج العالمية تظهر أن النجاح المؤسسي لا يتحقق فقط بالأرباح، بل يبدأ من راحة الموظف واستقراره النفسي وهي رسالة يمكن للشركات الأردنية الاستفادة منها في بناء بيئات عمل أكثر توازنًا وإنسانية.
*
أسباب الضغوطات وأثارها على الموظف*
يعد الضغط المتزايد في بيئات العمل السامة أحد أبرز أسباب الاستقالات في الأردن والعالم، حيث تنتشر في بعض المؤسسات ممارسات إدارية غير عادلة، مثل غياب التقدير للموظفين الملتزمين والمنتجين، مقابل تفضيل أشخاص أقل التزامًا أو كفاءة، كما يساهم تحميل الموظفين أعباءً إضافية وساعات عمل طويلة دون مقابل مادي عادل في تعزيز شعورهم بالاجهاد النفسي والظلم الوظيفي.
هذه العوامل مجتمعة تؤدي الى ما يمكن وصفه ب " الانفجار الصامت" ، إذ يبدأ الموظف بفقدان الدافعية والإنتاجية، ويتحول التوتر النفسي الى سلوكيات سلبية تنعكس على تعامله مع زملائه وأسرته ومجتمعه، ومع مرور الوقت، تصبح الاستقالة بالنسبة له وسيلة للخلاص من دائرة الضغط لا خيارًا طارئًا.
تحليل الواقع الأردني
رغم وضوح النصوص القانونية في قانون العمل الأردني التي تكفل حق العامل في الاستقالة أو ترك العمل في حالات معينة، إلا أن الواقع العملي يظهر فجوة بين التشريع والتطبيق، فالكثير من العاملين لا يمارسون هذا الحق خوفًا من فقدان مصدر رزقهم أو بسبب عدم وعيهم بالاجراءات القانونية التي تحميهم من التعسف الوظيفي. وبالتالي، فإن ارتفاع نسب الاستقالات يعكس في جانب منه ضعف تطبيق العدالة الوظيفية داخل بعض المؤسسات، لا مجرد رغبة الأفراد في ترك العمل.
تظهر ظاهرة الاستقالات في الأردن أن بيئة العمل لم تعد تُقاس فقط بعدد ساعات الإنتاج، بل بمدى احترام الكرامة الانسانية للعاملين فيها، فبينما تضمن القوانين للعامل حقوقه نظريًا، يبقى التحدي الحقيقي في تطبيق تلك القوانين وتحويلها الى ثقافة مؤسسية تحترم العدالة وتقدر الجهد.
لقد أثبتت النماذج الايجابية سواء في الشركات المحلية أو العالمية أن الاستثمار في راحة الموظف وصحته النفسية ينعكس مباشرة على نجاح المؤسسة واستقرارها.
من هنا، فإن الحد من موجة الاستقالات يتطلب رؤية شاملة تعيد التوازن بين متطلبات العمل وحقوق الانسان، بحيث يصبح مكان العمل بيئة تحفز على الإبداع لا على الإنسحاب.