من هو بديل النعيمات أمام السعودية؟
زيلينسكي يتخلى عن طموح انضمام أوكرانيا لحلف الناتو قبل محادثات السلام
هالاند يقود السيتي إلى انتصار بثلاثية على كريستال بالاس
الأردن يدين هجوما استهدف قاعدة أممية للدعم اللوجستي في السودان
بدء تشغيل مشروع استراتيجي لتعزيز التزويد المائي في عجلون قبل صيف 2026
مبادرة من ولي العهد والأميرة رجوة لتوزيع الكنافة على الجماهير بقطر
تفاصيل المنخفض الجوي القادم إلى الأردن مساء الإثنين
الدكتور أحمد مساعده: الشرق الأوسط أمام مفترق استراتيجي والأردن نموذج للشراكات البنّاءة
وزيرة الخارجية الأردنية تمثل الأردن في المنتدى الدولي لتحالف الأمم المتحدة للحضارات بالرياض
المعايطة: نعتمد نهجا علميا في استشراف المخاطر ومواجهة التحديات قبل وقوعها
كم ستتكلف صفقة استحواذ الوليد بن طلال على الهلال؟
تأجيل محاكمة المتهمين بسرقة الأسورة الأثرية من المتحف المصري
مجلس الوزراء يقر الأسباب الموجبة لمشروع نظام الرعاية اللاحقة لخرّيجي دور الإيواء لعام 2025
مجلس الوزراء يوافق على تسوية 905 قضايا ضريبية عالقة
مجلس الوزراء يوافق على خطة شراء القمح والشعير لعام 2026 لضمان الأمن الغذائي
مجلس الوزراء يشكل لجنة للحد من الإلقاء العشوائي للنُّفايات
اتحاد الكرة يعلن إجراءات الحصول على تذاكر مباريات النشامى في كأس العالم 2026
فصل مبرمج للتيار الكهربائي عن مناطق في إربد والمفرق الاثنين
الحكومة تقرّ نظام تأجير وتملّك الأموال غير المنقولة خارج محمية البترا الأثريَّة
لم تكن والدتي تكتب لإشغال وقتها، رغم ثِقل مسؤولياتها كأم، ولم توثق أحداثا مفصلية وحسب، بل لحظات حيّة عاشتها بتفاصيلها لم ترد أن يمحوها الزمن. ولعل بعض الحنين والشجن ظل يدعوها لإعادة قراءة ما كتبته.
منذ مطلع وعيها، بدأت تدون يومياتها في أجندة صغيرة تتسع لكل أيام العام، ولم تتوقف منذ أكثر من سبعين عاما. كانت تكتب بحبر أزرق، أما تلك المحطات الاستثنائية والعناوين الأبرز من منظورها فكانت تخطها بالقلم الأحمر. فهي تدرك أن الحياة مليئة بلحظات لا يجب أن تمرّ مرور العابرين، حتى وإن بدت عادية وبسيطة.
في وقت ما، كنت أعبث في بعض الأوراق القديمة، حين وقعت يداي على قصاصات صغيرة، احتفظت بها والدتي منذ عشرات السنين. كانت خطوطها تنبض بالحياة، وكأنها تتشبّث بالزمن وتمنعه من الفرار من بين أيديها.
دوّنت فيها مواقف ومحطات فاصلة في حياتنا كأم، وكأنها تخاف أن يختلسها النسيان. هي تؤمن أن الذاكرة قد تخون وأن الإنسان لا بد له أن يعود أحيانا إلى دفاتره العتيقة، يستعيد مواقف من مرّوا بها، ومن تركوا أثرا.
تلك القصاصات كانت بداخل أجندة حوافها مهترئة، مغلفة برائحة الزمن. لم تكن مجرد أوراق، بل أرشيفا بدأت والدتي كتابته منذ أن كانت على مقاعد الدراسة في الصفوف الابتدائية الأولى، مرورا بعملها كمعلمة لسنوات طويلة.
تربّينا، أنا وإخوتي على طقوس هذه اليوميات، على التأمل والتوثيق والفهم.
حينما تكتب مشاعرها، كانت تترك لنا أثرا حيا من صور الماضي.. مذكرات صغيرة لكل لحظة من حياة قصيرة تمضي كلمح البصر.
وثقت تفاصيل أيامنا، بعواطفها وأفراحها وقلقها، بفضلها، بقيت اللحظة حيّة، وبقيت الطفولة مستمرة فينا، والمشاعر يقظة في زوايا البيت، نسترجعها حين تضعف الذاكرة أو تثقلنا الحياة بهمومها وتفاصليها.
قبل سنوات حين أرهقها المرض، توقفت عدة أيام عن الكتابة، وفي مرحلة التشافي، نظرت إليّ وقالت "احكيلي شو صار.. ما بدي تروح مني ولا لحظة، لازم أوثق كل إشي". لم تكن تريد أن تضيع منها تفاصيل تلك الفترة على صعوبتها.
جلست إلى جانبها أروي لها ما فاتها، حتى شاهدت ملامح الرضا على وجهها.. ذاك الرضا الذي لا يفارقها طالما تكتب. فهكذا كانت دائما وبقيت، تُبقي تفاصيل اللحظة نابضة بالحياة.
الذاكرة، حين تدون، لا تبقى ملكا لصاحبها وحده. إنما تصبح إرثا مشتركا، ومرآة تعكس تفاصيل زمن مضى، خصوصا إذا كانت لأشخاص عايشوا تراكم التجارب، وتشكلت حياتهم وسط تقاطعات الوعي والمعرفة.
مذكرات أمي، بتفاصيلها البسيطة والعميقة، دفعتني إلى إعادة قراءة التاريخ القريب، لا من كتب المؤرخين، بل من دفاتر الأمهات. فاليوميات التي كتبتها نساء في منازلهن، وسط المسؤوليات اليومية والوظيفية، تكشف عن ملامح أجيال كاملة صقلتها التجربة بكل ما فيها.
عبر تلك الصفحات، نستطيع أن نلمس كيف واجهوا الحياة وحافظوا على القيم رغم قسوة الظروف. هم لم يكتبوا مواقفهم ليدرسوها، بل عاشوها ببساطة، وكان وعيهم بالحياة كافيا ليترك لنا ما نتعلم منه ونقارن به بين ماض وحاضر ومستقبل عيوننا عليه.
لذاكرة الأوطان ملامح تشبه ذاكرة الأمهات لكل جيل فيها حكاية وأثر لا يمحى. فحينما تكتب كقصص شخصية وتجارب حية، تمنحنا قدرة أعمق على فهم ما جرى، ومقارنة الحاضر بالماضي، فالتاريخ هو مُدرس ومدرسة.
ومن وحي ما حمله التاريخ من أزمات مضت، ولم يمض أثرها… ندرك أن ما يحدث في غزة اليوم ليس حدثا عابرا، بل فصلا جديدا من كتاب يجب أن نكون جميعا شركاء في توثيقه، ولعل أصدق من يروي تلك اللحظات دموع الأمهات وذلك الصبر الأسطوري على قهر الظلم.
تعلمت من والدتي من دون أن تقول، أن التوثيق ليس ترفا، بل مسؤولية كبيرة.. وكما وثقت هي تفاصيل بيتها الصغير، علينا أن نوثق نحن ما يحدث في بيوتنا الكبيرة، في أوطاننا على اتساعها.
فأحداث كبيرة ومفصلية؛ ستغدو في طيّ النسيان إن لم ندونها الآن، وقد تضيع ملامحها، فما لم نكتبه اليوم، قد لا يُقدم الحقيقة كاملة أمام وعي الأجيال القادمة.