بقلم :
محمد حسن العمري
_____
خصص الاعلامي المصري (المثير) احمد المسلماني هذا الاسبوع في برنامجه الطبعة الاولى على قناة دريم حلقة استثنائية نادرا ما تشاهد مثلها في الفضاء المصري ، للحديث عن الشيخ احمد ياسين مؤسس وشهيد حركة حماس ،بثت هذه الحلقة و في ظروف دائما استثنائية بين مصر وحماس ، الحلقة سبحت كعادة الاعلامي المسلماني بهدؤ نعرفه فيه ، للوصول الى حقيقة ان احمد ياسين كان احد اهم عقلاء القضية الفلسطينية منذ نشأت والى اليوم ، وحيث تسعى اسرائيل الى تصفيتهم للابقاء على الهواة يمرحون ويسرحون ويقررون مستقبل قضية ، نقل محمد حسنين هيكل في برنامجه الشهير على قناة الجزيرة شهادة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين فيهم ، بعد ان قابل الراحل ياسر عرفات قوله :\" هؤلاء اناس اصغر من قضيتهم!!\"
--------
عندما كنا طلبة في الجامعة الاردنية اواخر الثمانينات اوائل التسعينات كانت اشرطة الكاسيت هي لسان حال الحركة الاسلامية التي تبشر بحركة المقاومة الاسلامية حماس ، كانت اكثر الاشرطة المسجلة التي توزع وتباع للشيخ الداعية الاسلامية خليل قوقا ، الذي عرفت فيما بعد انه توفي من خمس سنوات مبعدا في دولة الامارات ، وهو غير القائد الميداني خليل قوقا الذي صفته اسرائيل، وعلمت اكثر انه كان صوت الشيخ احمد ياسين الذي نقله الى العالم العربي بعد ان ذاع صيت الشيخ ياسين داخل الاراضي المحتلة فحسب ، ولم يكن الحديث عن حركة حماس بذات شأن كبير في الصحافة العربية ، فالانتفاضة التي سبقت ذلك بقليل وعرفت باسم انتفاضة المساجد او انتفاضة الحجارة ، كان يعرف للجميع
بدور الشيخ ياسين كزعيم ديني فيه والتي حركت مشاعر العالم اجمع ، وفي الجانب الاردني كتب عدد من كتاب الاردنيين بذات الوقت لا اذكر منهم غير الراحل جورج حداد المسيحي المزدوج الانتماء الوطني والقومي ، متحدثا عن سنديانة فلسطينية تنمو من غير ساقين اسمها احمد ياسين ، لم يكن الحديث ذلك الوقت محرما ، قبل ان تتبلور مواقف سياسية مضطربة من حماس ، وقبل ان تصبح حماس وفق المعايير الدولية التي تتولاها الولايات المتحدة ، احدى المنظمات الارهابية الدولية ، وقبل ان تتخذ الدول العربية مواقف ازاء ذلك اشدها اعتبارا مصر والتي رات فيها -للاسف- صورة لعدوها التقليدي جماعة الاخوان المسلمين..!
------------
يخيل اليَّ اليوم وبعدما شاهدت شريط حياة الشيخ الشهيد بعرض الاستاذ المسلماني ، خيل لي انه يروي قصة خارج مالوف العصر الذي نعيش ، خيل الي اكثر انه يروي اسطورة كفاح لا يمكن ان تسجل بانها شارفت لاربع سنوات في الالفية الثالثة حيث انقلب العالم الى عصر ما بعد و بعد التكنولوجيا وليس الحداثة وما بعدها فحسب..!
لا اعرف هل هذه النوعية من الرجال كما يقول المتفائلون من ابناء الامة دائما اننا امة حبلى بهم في كل عهد وحين ، تحدث المسلماني عن الدور القيادي للشيخ ياسين منذ العدوان الثلاثي على مصر عام 56 والى ان اتت صواريخ شارون الثلاثة على جسده كاملا ، قسمه الاول قسمين كا انشق القمر ،و الثاني اجزاء اصغر من ذلك الى ان جاء الثالث فتحول جسد الشيخ الى ( شقائق نعمان!!) تطايرت كلها دون الكيلو الغرام الواحد ، ولم يبقَ الا عجلات الكرسي المتحرك الذي كان يلتصق به وعليه لاداء صلاة الفجر..!
-----------
فجرت هذه الحلقة الاستثنائية عن حياة الشيخ الشهيد مكنونات لا نعرف مصدرها ، فجرت الحنين الى عهد عشقناه ولكنه بعيد ، عهد شق فيه عمرو بن الجموح الاعرج ووطاء بعرجته الجنة ، من بوابة احد ، الجبل الذي نحبه ويحبنا كما في الحديث ، لم يكن الشيخ ياسين اعرجا بل قعيدا بالكامل ، فجر الحديث اليوم عن احمد ياسين في عصر تقاتلت فيه اخوة يوسف في رام الله وغزة ، وتشوهت صورتنا على نحو اليم ، لا يمكن لمن يستبد به الحنين ان يعتقد ان رجلا كاحمد ياسين عاش الى قريب من ست سنوات ليس اكثر..!
---------
في 22 مارس القادم تطل الذكرى السادسة- والسادسة ليست ببعيدة - لاستشهاد الشيخ ياسين ،
و يعيدني الحنين ليس للكثير من المواقف ، الى عام 1997 ولم اكن قد سمعت باسم خالد مشعل الا عرضيا ، والاضطراب يسود بوابة المستشفى الاسلامي في عمان ، الكل مستنفر ، الاخوان المسلمون والامن العام والامن السياسي ، وكانت ساعات قليلة اذ اعلن السادة الشيوخ من بوابة المستشفى ، بان السيد مشعل سيكون على ما يرام وان الملك الراحل ، قد اشترط الافراج عن عميلي الموساد اللذان نفذا عملية اختيال مشعل باللقاح المضاد للسم الذي استخدم في العملية، وبحسب بنود التفاق الاهم فقد اتخذ القرار بالافراج الفوري عن الشيخ احمد ياسين ودون ادنى مفاوضات اخرى ، كان الخبر الثاني هو الاهم ، وهو الاسرع انتشارا في وسائل الاعلام حيث خرج الشيخ ياسين على كرسيه المتحرك تطوف به العواصم العربية ، كوجه مشرق لم ولن يغيب عن ذاكرة القضية الفلسطينية الى ان يبعث الله عبادا له اولي بأس شديد..!
------------
تحدث المسلماني بحلقته عن عمل ادرامي كان ينشده الفنانين حسن يوسف ومحمود ياسين لتخلد قصة مازلنا نتعلق بذيولها وهي ليست ببعيدة ، كان هذا العمل الدرامي ساخنا عشية تطايرت سنديانة فلسطين وشقائق النعمان فيها ، وبدأ يخبو الى اننا لم نعد نسمع عنه اليوم ، الى القائمين عن الدراما و السينما العربية التي تؤذينا كل موسم بعشرات الاعمال التي تذهب كهباء بعد مواسم رمضان التفلزيونية او مواسم العيد في السينما ، نقول، نسألكم بحق هذا الجيل الضائع اليوم بين هذه الاعمال ومخاطر المعلوماتية التي تبتعد كثيرا عما نريد ، نسألكم بان تقدموا ملحمة كأننا عشناها من قريب ، كأن ذاكرتنا لم تمحوها ست سنوات وليس اكثر ، ملحمة حملها كرسي متحرك ، وصُعبت على دول عربية عددها بعدد اصابع اليدين والرجلين سواء ، تنفق على سيدهات الطرب اكثر ما تنفقه على التعليم ، وتبلغ فيها ارادات فلم كوميدي تافه ، مجموع ارادات كل معارض الكتب العربية من صنعاء الى الرباط ، في جيل تحدثت عنه احلام مستغانمي في مقال حديث :\"بلاد المطربين اوطاني!\" قالت ان بلادنا كانت تنسب للابطال كالامير عبدالقادر وجميلة بوحريد وصارت تنسب للصبيان كمحمد عطية ومحمد خلاوي ، جيل هذا حاله احوج ما يكون للبقاء على الحد الادنى من وجوده الى انتاج فلم ، ينبت كسنديانة فلسطين التي كان اسمها احمد ياسين ، ولعلنا الى اليوم لم ننساها..!