كبُرت كلمة؛

لا يوجد كلام فارغ، بل يوجد عقل ناطق به فارغ، الكلمة هي أداة العقل التي بها يعرف، فالكتاب هو افكار عقل ابدع، وليس مجرد حروف وكلمات، والمقال هو بوح كاتب فكر، وليس مجرد سطور ونقاط، بكلمة قد يجرح بشر، وبأخرى قد يعالج، بكلمة قد يسلم كافر، وبضدها قد يكفر صاحبها، بكلمة يمنح نجاح، وبأخرى يساق فشل او احباط، بكلمة قد يفرح حزين، وبأخرى قد يصدم سعيد، او يقتل فيه فرحة سنين.

الكلمة هي ما يميز الانسان عن غيره من المخلوقات، فالحيوانات لا تنطق، لا تتكلم، ولا تكتب. لكنها تشعر بما قد لا يشعر به انسان اللاانسانية. من قال انها مجرد كلمة هو قائلها لا تقدم ولا تؤخر، كلا والف كلا، قائل الكلمة حتى لو لم يكن يعيها فهو يقصدها وتعكس مكنوناته، وما يريده عقله الباطن، ان كان خيرا فحسنت كلمته، وان كان غير ذلك فسيئت. الكلمة هي كل الانسان، كبرت ام صغرت، تبعا لقائلها، فلولا الكلمة لما كنا، أونكون ونحن صامتون!! بها يكشف الصادق من الكذاب، المخلص من المنافق، الصالح من الطالح، والخائن من الامين.

بالكلمة عرفنا الله تعالى من قرآنه، فأفرزت مؤمنين وكافرين، وبها عرفنا الرسول الكريم من حديثه، مع اننا لم نعاصره، وبها تناقل الينا علم الاولين، وتجارب الآخرين، وبحوث الباحثين. بالكلمة تنظم الدساتير، وتسن القوانين، وتفرض الضرائب على المواطنين، والمخالفات على السائقين، والاعدام على القتلة المجرمين، وبها يتم كل أمر هين او عظيم. الصمت عن صحيحها جبن، والتصفيق لباطلها نفاق، والسكوت عن قول حسنها لمستحقيها ظلم واجحاف، والنطق بأحسنها عدل وإنصاف.

خلاصة الكلمة، ما هي الا عقلٌ ناطق، وقلب نابض، وبصر ثاقب، ووعد يعطى، وولاء يعهد، وحب يفوح، وحنان ومواساة، وفرح وسعادة، الكلمة هي كل فكر أو شعور لا يمكن ان نعرفهما لولاها اذ خرجت، فلو بقيت حبيسة لسانها، لما لمع فكر، ولا تناقل علم، ولا نظم شعر، ولا سجع نثر، ولا توارث خلق، ولا قامت حياة، أصلا لم تبدأ حقاً الا بعد كلمة (إقرأ). لا يوجد كلام فارغ، بل يوجد عقل - نطق بها - فارغ، فأمست فارغة من فراغه، تعكس صدى طبلٍ أجوف، أو ناطق بها أحمق.

مقالات - عندما تصمت الأوهام.
الدكتور المهندس أحمد الحسبان

---