لم يكن صدفة تركيز جلالة الملك على أهمية القائمة الوطنية ، في سياق حديثه عن قانون الأنتخاب ، فالقائمة الوطنية المغلقة ، نتاج التفاهم والتراضي الذي وقع بين مختلف الأتجاهات الفكرية والأجتماعية والسياسية ، التي شاركت في لجنة الحوار الوطني ، وبشكل خاص بين الأتجاه المحافظ المتشدد المتمسك بكل ما هو قديم وتقليدي ، وبين الأتجاه العصري التقدمي الذي يتوسل التطور لأشكال وأساليب الأنتخابات لتكون أكثر عدالة ومصداقية في تمثيل الأردنيين عبر صناديق الأقتراع .
فالقائمة الوطنية المغلقة ، وأساسها قاعدة التمثيل النسبي لفرز شكل ومضمون النتائج ، شكل جديد في حياتنا الأنتخابية وهي توجه طرقته من قبلنا الشعوب المتحضرة ذات التقاليد الديمقراطية المستقرة وإعتمدت عليه بإعتبارها أداة تمثيل أوسع وأكثر واقعية في تحقيق نتائج وعدم حرق الأصوات ، ولذلك كانت حصيلة العصف الفكري الذي إجتاح يوميات الحوار في لجنة الحوار الوطني ، وحصيلة ولادتها الذهنية ، فخرجت توصياتها بضرورة العمل على أن تكون القائمة الوطنية المغلقة والتمثيل النسبي هي أهم مخرجات اللجنة وأحد أبرز إبداعاتها ، على الرغم من تواضع الرقم الذي إقترحته وأوصت به وهو 15 مقعداً ، وتبنته الحكومة ورفعته إلى 17 مقعداً ، وكان تدخل جلالة الملك مباشرة بإستعمال سلطاته الدستورية ، برد القانون وتم رفعه إلى 27 مقعداً من أصل 150 مقعداً وهو مؤشر واضح ملموس يعكس إنحياز جلالة الملك ودعمه لشكل ومضمون القائمة الوطنية .
حصيلة عمل لجنة الحوار الوطني ، ومخرجاتها نظرت إلى القائمة الوطنية وتمثيلها النسبي ، بإعتبارها وسيلة متقدمة لأعادة جمع الأردنيين وإنحيازهم لقوائم ذات طابع سياسي يتجاوز الجهوية والفئوية والتقسيمات التعسفية بين الدوائر المحلية ، وإعادة تركيز جهدهم على قائمة الوطن المعبرة عن عنوانين أولهما قائمة التمثيل الواسعة المشكلة من كافة المكونات الأردنية على قاعدة التمثيل الأوسع غير الجهوي ، وثانيهما تركيزها على البرنامج السياسي الذي يجمع حوله ومن خلاله ممثلي الشرائح الأردنية المختلفة ، وجذبها موحدة نحو دعم وإسناد قوائم توحيدية بائنة متماسكة بوحدة التمثيل ووحدة البرنامج في نفس الوقت .
القائمة الوطنية ، وفق المؤيدين المتحمسين لها ، وهم كثر من الأحزاب القومية واليسارية والوسطية ، ستؤدي إلى توحيد الأردنيين عبر قائمة 27 مرشحاً ، من خلال جمعها لممثلين من كافة المحافظات الأثنى عشر ، وهي بالتالي ستوحد الأردنيين من أبناء المدن والريف والبادية والمخيمات ، في قائمة واحدة لأول مرة ، كي تحصد أصواتاً أكبر، من كل هذه المواقع ، وتدفع بهم كي يصوتوا لقائمة واحدة ، وبذلك وبما تحويه من ممثلين مشاركين في عضويتها كمرشحين من قطاع واسع من الأردنيين ، ستحظى بتصويت ، من كافة الأماكن والتجمعات والمكونات الأردنية بعيداً عن الجهوية والفئوية واللون الواحد والمنطقة الواحدة والقومية الواحدة أو الدين الواحد ، بل ستحظى بأصوات قطاعات واسعة من كل هؤلاء جميعاً لقائمة وطنية واحدة ، وبالتالي ستعكس وحدة الأردنيين على مستوى تشكيل القائمة المغلقة وعلى مستوى التصويت من قبل الشرائح المختلفة للقائمة الوطنية الواحدة الموحدة .
وعلى الرغم من حداثة التجربة ، تجربة القائمة الوطنية الموحدة ، وحداثة كيفية إحتساب نجاحها ، على أساس قاعدة التمثيل النسبي ، فإن الأحزاب والتجمعات والشخصيات الأعتبارية تجد في القائمة الوطنية ملاذاً سياساً ، وأداة تقيمية ، لفحص مدى نفوذ كوادرها ، وعمق قواعدها ، ومدى ما تحظى به من تأييد وإنحياز ، وبالتالي فإن مؤشرات نتائج إنتخابات دورة مجلس النواب السابع عشر ، ستشكل محطة نوعية لدراسة حضور الحزبيين ، وتأثيرهم ، وبالتالي إحتساب تغطية إجتياجاتهم المالية من الخزينة بإعتبارهم ممثلين لمؤسسات وطنية متطوعة سينعكس نفوذها على تشكيل وإدارة مجالس النواب المقبلة ، وإنعكاس ذلك على تشكيل الحكومات ، بإعتبارها وفق أهداف الأصلاح السياسي : حكومات برلمانية حزبية .
القائمة الوطنية بعددها 27 مقعداً من أصل 150 ، عدد متواضع ، يوازي 18 بالمائة من عدد مقاعد مجلس النواب ، ولكنها البداية ، إذا تحقق لها النجاح ، فستكون هي المقدمة الضرورية لزيادة العدد وفق طلبات أحزاب المعارضة القومية واليسارية لتكون 75 مقعداً أي نصف عدد أعضاء مجلس النواب الذي يلي القادم .
الأحزاب الوسطية ، التي قررت خوض الأنتخابات ، وإتخذت قرارها المسبق بالمشاركة ، تعمل حثيثاً لخوض الأنتخابات وفق الأشكال الثلاثة المتاحة :
- عبر الدوائر المحلية .
- وعبر القائمة الوطنية .
- وعبر الكوتات وخاصة المرأة إلى جانب المسيحيين والشركس .
بينما ما زالت أحزاب المعارضة القومية واليسارية ، المتوقع أن ينتقل موقفها ، من موقف " لا مقاطعة لا مشاركة " نحو موقف المشاركة على الأرجح ، بعد وساطات ضاغطة جمعت الحكومة مع ممثلي أحزاب المعارضة ، وحصيلتها النجاح ، وخاصة بعد الأفراج المتوقع عن الموقوفين الحزبيين ، تبحث هذه الأحزاب عن صيغ المشاركة عبر وسيلتين :
الأول : تشكيل قائمة موحدة تضم ممثلي الأحزاب الخمسة القومية واليسارية مع بعض الشخصيات المستقلة .
والثانية : أن يصار إلى تشكيل قوائم متعددة أوسع ، أي أن يكون لكل حزب قائمته مع أصدقائه ، وقد أرجأ أركان صنع القرار المشترك داخل هذه الأحزاب ، إلى ما بعد عيد الأضحى كي يتخذوا قرارهم النهائي حول المشاركة وشكل هذه المشاركة .