خسر الأخوان المسلمين رهانهم على عاملين أولهما تردد مطبخ صنع القرار على إجراء الأنتخابات في ظل قرارهم بمقاطعة الأنتخابات ، وتوهموا أن إعلانهم المستعجل والمسبق بمقاطعة الأنتخابات بمستوياتها الثلاثة التسجيل والترشيح والأقتراع ، ستدفع مؤسسات صنع القرار للتردد ومن ثم التراجع عن خطوات إجراء الأنتخابات ، ولم يخطر ببالهم في ظل ثورة الربيع العربي ، وإنتصار الأخوان المسلمين بنيل الأغلبية البرلمانية في كل من مصر وتونس والمغرب ، ومن قبلهم في فلسطين ، والفوز برئاسة الجمهورية في القاهرة ، أن مطبخ صنع القرار سيواصل مساعيه وإجراءاته وخطواته كي يصل إلى يوم تحديد موعد إجراء الأنتخابات بدونهم ، وقد مثل هذا خسارة على رهانهم الأول ، أي أن تجري الأنتخابات بدونهم .
وكان رهانهم الثاني على فشل عملية التسجيل ، وأن لا تصل نسبة التسجيل إلى ما وصلت إليه ، مع معرفتهم المسبقة أن عدم وصول الأردنيين إلى مكاتب التسجيل مرده عوامل عديدة ، لا صلة لها بقرار مقاطعة الأنتخابات نزولاً عند شعار ومطلب وتحريض الأخوان المسلمين ، ومع ذلك تجاوزت نسبة التسجيل ، النسب الواقعية التي تسمح بإستعمالها كقاعدة إنتخابية ملائمة وتوظيفها لإجراء الأنتخابات .
نسبة التسجيل كانت ناجحة بكل المقاييس ، رغم يأس قطاع من الأردنيين من أداء المجلس النيابي ، وبالتالي فقد أفقد أداء النواب حماس الأردنيين نحو الأنتخابات ونحو مجلس النواب ، ومع ذلك لم يتردد أغلبية الأردنيين في الوصول إلى مقار دائرة الأحوال المدنية لتسجيل أسماؤهم في سجل الناخبين والذي تجاوز عددهم المليونين وربع المليون ، ومثّل ذلك خسارة للأخوان المسلمين على رهانهم الثاني .
إضافة إلى خسارة رهانهم الأول والثاني قد يخسر الأخوان المسلمين ، رهانهم الثالث ، على القرار المقبل والمتوقع للأحزاب اليسارية والقومية في تجاوز موقف " لا مشاركة لا مقاطعة " نحو قرار المشاركة في دورة إنتخابات مجلس النواب المقبل السابع عشر .
فالأتجاه الغالب لدى الأحزاب القومية واليسارية يسير بإتجاه المشاركة والتراجع عن قرار المقاطعة لأكثر من سبب :
أولاُ : إتخذت قراراً بالمشاركة في عملية التسجيل ، وبذلك إقتربت خطوة من عملية المشاركة وإبتعدت خطوة عن قرار الأخوان المسلمين بالمقاطعة .
ثانياً : أدت عمليات الأستفتاء الداخلية لمعرفة موقف قواعد الأحزاب الخمسة : حزب البعث الأشتراكي ، حزب البعث التقدمي ، الحزب الشيوعي ، حزب الشعب الديمقراطي وحزب الحركة القومية للديمقراطية المباشرة ، من عملية المشاركة أو عدمها ، أدت إلى إظهار نتائج أن ثلاثة أحزاب منهم ، تُرجح قرار المشاركة ، وها هو الأستفتاء الداخلي الأخير لقواعد حزب الحركة القومية للديمقراطية المباشرة يشير إلى أن 51 بالمائة من موقف قواعد الحزب مع المشاركة ، وبالتالي غدا قرار الأغلبية مع المشاركة ، مما يدلل ، أن ثمة موقفاً جديداً سيتم إعلانه من قبل هذه الأحزاب مجتمعة يتضمن إنهاء قرار " لا مشاركة لا مقاطعة " بإتجاه قرار المشاركة الواضح المعلن .
قرار مشاركة أحزاب المعارضة الخمسة بالإنتخابات سيجعل قرار الأخوان المسلمين بالمقاطعة محرجاً أمام الجمهور والقوى السياسية والرأي العام ، وغير مبرر الدوافع والأسباب السياسية ، ويزيد الأمر تعقيداً أمام قيادة حركة الأخوان المسلمين ، أن توصيات المرشد العام ومكتب الأرشاد هو المشاركة في الأنتخابات في الأردن وغير الأردن ، فعلى الرغم من التعقيدات المصاحبة لعمليات الأنتخاب في البلدان العربية ، وحالة عدم الأستقرار والتقلبات المتسارعة ، فقد كان قرار فروع حركة الأخوان المسلمين في مشاركة في الأنتخابات النيابية والرئاسية والبلدية والنقابية في البلدان العربية إنسجاماً مع توجهات المرشد العام وتوصيات مكتب الأرشاد ، ولذلك لم يكن مفهوماً ، ولا مرغوباً ، قرار الأخوان المسلمين عندنا ، بمقاطعة الأنتخابات النيابية ، كمحطة إنتقالية وإضافية نوعية لأنتخابات مجلس النواب السابع عشر القائمة على ثلاثة عوامل مستجدة هي :
1- قانون إنتخاب جديد ، يمنح كافة الأردنيين صوتين لأول مرة ، صوت للدائرة المحلية وصوت أخر للدائرة الوطنية .
2- هيئة مستقلة للإنتخابات .
3- وجود قائمة وطنية مغلقة غير مسبوقة ، تحمل مضامين موحدة جامعة لكافة المكونات الأردنية في تشكيلها وفي نوعية التصويت لها .
الملفت للإنتباه إن قرار الأخوان المسلمين بمقاطعة الأنتخابات النيابية في الأردن يوازيه قراراً مماثلاً لحركة حماس بمقاطعة الأنتخابات البلدية في فلسطين ، فقد قاطعت حماس بالضفة الفلسطينية الأنتخابات البلدية ، ومنعت إجراءها في قطاع غزة بسبب سيطرتها المنفردة على القطاع بعد حسمها العسكري في حزيران 2007 .
قرار مقاطعة حماس للإنتخابات في فلسطين يوم أمس السبت العشرين من تشرين أول ، قرار أحادي لم تشاركه فيه أي من القوى السياسية الفلسطينية حيث شاركت بالأنتخابات ، وإعتبرته إستحقاقاً وطنياً ، شاركت فيه بزخم وقوة .
وبذلك ، سواء لدى حماس أو لدى الأخوان المسلمين في الأردن ، يعكس الرؤية المشتركة لكليهما ، وأن جذورهما الحزبية المشتركة هي التي أدت إلى هذا الموقف الأصطفافي الرافض للإنتخابات ، البرلمانية في الأردن والبلدية في فلسطين ، مما يدلل على مدى التطرف وعدم الواقعية الذي يحكم ويتحكم بقرار الفصيلين .