زاد الاردن الاخباري -
يبدو أن الحكومة الأردنية، باتت تتلذذ في فكرة أن الشعب ومؤسسات الإعلام يديرون لها خدهم الآخر تسامحا.. ويتجاوزون عن إمعانها المتواصل في صفع المواطن والصحفي الذي يعطي خده الثاني، ظنا منه أنه يفعل ذلك حبا في الوطن وطلبا للأمن والأمان.
حسنا، واجهنا مثل هذا الموقف من قبل، في بداية التسعينات، ولا شك ان الزملاء الذي رافقوا تلك الفترة يذكرون ما أصاب الحكومات الأردنية من "هوس" و "قلق" بسبب الإنفراج في الحريات الصحفية، واذكر كيف قامت حكومة "الكباريتي" بمطاردتي شخصيا، إثر مقال نشر في "جريدة البلاد بعنوان " لمن هذا البلد؟" والذي إخترقت فيه الهدنة التي تمنح عادة لرئيس الحكومة الجديد وتحدثت عن نيتها في رفع أسعار الخبز تحت شعار "الثورة البيضاء".
قبل أقل من سنتين، عاد "الهوس" الحكومي لمطاردة الحريات والحريات الصحفية في ثوب يدّعي الحداثة والإنفتاح، أي منذ حكومة سمير الرفاعي، فقد شعرت الحكومة "المتفتحة" بالضيق وشنت حربا شعواء، مباشرة وغير مباشرة، على المواقع الإلكترونية بقوانين الحجب أو إستخدام صحفيين مرتزقة ليكتبوا نيابة عنها لمهاجمة الصحافة الإلكترونية، فانتصرت الإرادة الشعبية والإعلامية وسقطت حكومة الرفاعي وبقيت الحريات تتلألأ في سماء بلدنا الحبيب، بعد ذلك، حاولت حكومتي البخيت والخصاونة التعجيل في إصدار مشاريع قوانين لتنظيم عمل المواقع الإلكترونية عدا عن محاولاتهما "إخراس" كل من حاول التحدث عن قضايا الفساد التي تم وأدها في ذات ليل، بدءا من "الكازينو" وليس إنتهاء بـ "الفوسفات"، ولكن الحريات والديمقراطية كانت أكبر بكثير من حكومة البخيت، وكانت تمثيلية "الزهد" التي مارستها حكومة الخصاونة مدعاة لإنتهائها باستقالتها بدل مواجهة الإصلاح وقوى الشد العكسي، وانتصرت الحريات وحدها دون مساعدة من أحد!
حكومة "الطراونة" لم تتوقف عند "التبجح" بإعادة إحياء الصوت الواحد؛ ولم يثن عزمها تعالي التحذيرات بأن الانتخابات التي ستجريها ستكون، بلا شك، هزيلة، وانها ستنتج مجلسا أقل كفاءة، عدة مرات، من المجلس الحالي، بل وجدنا هذه الحكومة، تصر على تعديل قانون المطبوعات، بحيث تُجبر كل من أراد أن ينشر كلمة او يكتب مقالا أن يفكر في العقاب الذي سوف يناله إذا فكّر، والعقاب الذي سيناله إذا كتب، والعقاب الذي سيناله إذا نشر، أي بإختصار شديد، سيصبح حالنا مثل حال "السجين" الذي تمت معاقبته بحبس إنفرادي.. بلا ورقة ولا قلم.. وسقف معتم بلا ضوء.. ملتصق برأسه!!
كنّا وحتى قبل بضعة أيام فقط، ومع كل هذا التعنت، نباهي بما لدينا من حريات، التي إنتصرت كثيرا لمصلحة الوطن ! وكنّا، بمسؤولية، نترك للمواطن أن يميز وحده، بين الغث والسمين، وكان بإمكان الحكومة، بدل تعديل قانون المطبوعات، "التخلص" من "الهوس" و "القلق" وفتح أبواب جديدة للحريات الإعلامية، وإجبار مؤسسات الإعلام الرسمية أن تواكب القنوات الخاصة والمواقع الصحفية، ببث كل ما ينبض به الوطن، بكل هدوء وتقبل، وكان بإمكانها ترخيص نقابة للمواقع الإلكترونية الصحفية أو الإتحاد الذي أقيم لها، ودعمه لتنظيم العمل فيها وتشجيعه لتأهيلها وتدريب العاملين ومساعدته في مراقبتهم وتوجيههم ليكونوا الأفضل، كما تفعل أقل الدول ديمقراطية، ولم يكن عليها أن تتحول إلى الخد الآخر، وتصفع "الحريات" بوضع القفل على باب سجن إفتراضي، بحجة وجود بعض الأشخاص الذين يسيئون لهذه الحكومة او تلك.
آما آن لكم أن تفهموا أن الأردن أكبر بكثير من هذه الوخزات التي تدقونها في خاصرته؟ ألا تعلموا أن الأردن سيبقى بلدا للحرية وسنبقى نفاخر أنه لا سقف لحريتنا، بقانون أو بغير قانون !