أول وكالة اخبارية خاصة انطلقت في الأردن

تواصل بلا حدود

أخر الأخبار
السبت .. أجواء حارة نسبيا مع ظهور الغيوم «أسابيع حرجة» في الأردن تختبر كل تفصيلات «التحديث السياسي» قبل الاقتراع مباحثات "إيجابية" بخصوص صفقة التبادل .. وتعهد مصري بالضغط على حماس دراسة : تحسن الرفاهية والصحة النفسية للأردنيين واللاجئين العراقيين منذ 2020 الأردن: استعادة ماضي الصراع في مواجهة العدو والأطماع السلطات الأمريكية تفتح تحقيقا عاجلا بعد رصد “صحن طائر” في سماء نيويورك (فيديو) حزب الله يبث مشاهد لكمين استهدف رتلا للاحتلال شمال فلسطين (فيديو) المعايطة: نعمل على زيادة عدد مراكز الاقتراع المختلطة وزير الخارجية الإسرائيلي ينشر صورة مسيئة لأردوغان .. شاهد أسعار البنزين في الاردن تتجه لأعلى مستوى في 6 أشهر طقس العرب يُحدد مناطق تساقط الأمطار ويُطلق تحذيرات حماس وفتح يعقدان محادثات مصالحة في بكين أسعار الذهب في الأردن على موعد مع أرقام قياسية رقم صادم .. الأمم المتحدة تكشف عن الوقت اللازم لإزالة الركام من غزة مقتل 4 يمنيين باستهداف أكبر حقل للغاز في كردستان العراق. القيادات الأمنية والسياسية تؤيد المقترح المصري ونتنياهو يرفضه أنقرة: استهداف الرئيس ينم عن الحالة النفسية لحكومة إسرائيل. مقتل خمسيني بعيار ناري بالخطأ في الكرك. 10 إصابات إثر حادث تصادم بين مركبتين في جرش. الأونروا: طفلان توفيا بسبب موجة الحر في غزة
الصفحة الرئيسية مقالات مختارة كُلَكم ذلك الفساد

كُلَكم ذلك الفساد

20-12-2011 01:39 AM

كُلَكم ذلك الفساد
تصريح رئيس هيئة مكافحة الفساد ادخل الجميع في دائرة الفساد
الفساد في بلدنا صار ثقافة تتجسد سلوكاً
الكوتا على أساس الجغرافيا والعرق والدين فساد ومخالفة دستورية
الجميع يريدون محاربة الفساد بعيداً عنهم وعن مصالحهم
الفساد لا يُقاس بحجمه بل بالقابلية لممارسته
القبول بنتائج الفساد أخطر من الفساد نفسه


بلال حسن التل


في ظني, ان الإجراءات القانونية, وتحويل الفاسدين إلى المحاكم, لا تكفي وحدها, لاجتثاث الفساد والمفسدين. فهذه الإجراءات هي عملية علاجية, تتعامل مع إفرازات داء الفساد, الذي نظنه صار في بلدنا ثقافة تتجسد سلوكاً. مثلما صارت شرائح واسعة منا تتحرك احتجاجاً ليس اعتراضا على الفساد, بل على نصيبها من كعكته. بدليل ان الكثير من المحتجين يصمتون عندما يصلهم جزء من هذه الكعكة منصبا أو أعطية أو.. الخ. وبالمقابل فإن كثيراً من الرافضين لمقولة استشراء الفساد في بلدنا, يصبحون من مناصريها, عندما يغادرون مواقعهم, أو عندما يحرمون من الأعطيات. والأدلة على ذلك كثيرة, بل لعلها لا تعد ولا تحصى.


ولأن الفساد صار في بلدنا ثقافة, وداء في الآن نفسه, فإنه يكاد يجعلنا جميعاً شركاء فيه. بل لعل قول رئيس هيئة مكافحة الفساد في آخر تصريحاته الصحفية, ان المحسوبية والواسطة والجغرافيا, أكبر داء للفساد, قد وضعنا جميعاً كأردنيين في قفص الاتهام, ووصمنا بالفساد. وقد كنا نتمنى ان يضيف معاليه الكوتا إلى المحسوبية والواسطة والجغرافيا كداء للفساد. خاصة بعد ان توالدت الكوتات في بلدنا توالداً سرطانياً. وصارت من أهم أسباب توالد الفساد وتضخمه, سواء الكوتات الجامعية, وما تسببه من ظلم فادح يلحق بالكثير من الطلبة الذين لا ظهر لهم, ولا كوتا تحميهم, عندما تعطي أناساً ليس من حقهم مقعداً جامعياً أو غيره على حساب غيرهم. ومثل الكوتا الجامعية, كذلك الكوتا الانتخابية, سواء كانت على أساس العرق, أو الدين, أو الجنس, لأن هذا النوع من الكوتات يفسد مفهوم المواطنة, ويضعف اللحمة الوطنية, ويدفع إلى المناصب في كثير من الأحيان أناساً غير أكفاء, يصلون إلى هذه المناصب بحكم الكوتا الجائر, الذي يناقض المبدأ الدستوري \"الأردنيون أمام القانون سواء\". ومن هذا المنظار فإن الكوتا مخالفة دستورية واضحة.


وإذا كانت الكوتا داء من داءات الفساد, فإن حكم الجغرافيا وتأثيرها على القرارات في الأردن, من أهم مظاهر وأسباب الفساد, الذي نمارسه جميعاً في بلدنا. بل وندافع عنه. فكم من حكومة تعرضت للهجوم لإسقاطها, لأنها خلت من وزراء لا ينتمون إلى هذه المنطقة الجغرافية أو تلك. وكم من مؤسسة فسدت لأن أبناء المنطقة التي أقيمت فيها, أصروا على ان يكونوا هم أغلبية جهازها الإداري والمالي والفني, حتى لو لم تتوفر فيهم الصفات المطلوبة لهذا الجهاز. وكم من مؤسسة فسدت لأن صاحب القرار فيها أصر على حشوها بأبناء منطقته الجغرافية. بل وكم من حالة فساد تم التغاضي عنها, مراعاة للجغرافيا التي ينتمي إليها الفاسدون. وكمن من أبناء منطقة خرجوا بمسيرات واعتصامات احتجاجا على تقديم فاسد من أبناء منطقتهم للقضاء. وكأن كل واحد منا يريد محاربة الفساد بعيداً عن محيطه, وعن مصالحه ومكتسباته, وان كان مصدرها الفساد.


وإذا كان الانحياز للجغرافيا يدخلنا جميعا في دائرة الفساد, فإن المحسوبية هي الفساد الذي نمارسه جميعاً. فمن منا لم يتسلح بعشيرته أو قربه من هذا المسؤول أو ذاك ليحقق مكسبا بغير وجه حق؟ ومن منا لم يتسلح بجغرافيته ومناطقيته, ليصل إلى موقع أو ليحقق هدفا على حساب من هو أحق منه؟ ومن منا من لم يستقوِ بصاحب نفوذ يعرفه لتمرير معاملة غير قانونية؟ ألم نمارس جميعا نوعا من أنواع المحسوبية, أي لونا من ألوان الفساد؟؟


غير أن أشدَّ أنواع الفساد التي نمارسها هي الواسطة, التي صارت من بديهيات حياتنا, وأبجديات تعاملنا مع قضايانا ومعاملاتنا. سواء كانت هذه المعاملات مع القطاع العام أو القطاع الخاص. والواسطة هي أكبر أدواتنا لقضم حقوق الآخرين, أو الالتفاف على القانون. أو انها أحد أهم تعبيراتنا عن عدم ثقتنا بدولتنا. لكنها تظل في البدء وفي الختام, أهم الأدلة على انغماسنا جميعا بالفساد, الذي صار كما قلنا ثقافة تتجسد سلوكا في حياتنا اليومية, خاصة وأن الفساد ليس مسألة نسبية, فهو مفهوم مطلق ومبدئي. فالمرء الذي يسرق ديناراً مذنب كالذي سرق مليون أو أكثر. فكلاهما لص سرق ما وصلت إليه يده. كذلك الفاسد, لأن الفساد لا يقاس بحجمه, بل بالقابلية لممارسته, والاستعداد لهذه الممارسة, وفق ما تتيحه الظروف للفاسد. بل ان القبول بنتائج الفساد هو اشتراك بالفساد, من ذلك على سبيل المثال, ان الشخص الذي يقبل بالوصول إلى قبة البرلمان, أو رئاسة البلدية, أو موقع نقيب لنقابة مهنية أو عمالية, نتيجة لعملية فساد وتزوير في الانتخابات, لا تقل جريمته وفساده عن من زور الانتخابات, أو افسد العملية الانتخابية. بل ان من يقبل بنتيجة الفساد, اشد جرماً وفساداً من الذي ارتكب جريمة الفساد. لأن من يرضى بنتائج الفساد ويستمتع بجزء منه, يكون كآكل السحت من جهة. وهو من جهة أخرى يقبل بأن يتحول إلى أداة أو دمية بيد صانع الفساد.


ومثلما أن الذي يقبل بنتائج الفساد شريك في جريمة الفساد, فإن الذي يمتنع عن أداء واجبه على الوجه الأكمل, هو الآخر فاسد. فمن لا يذهب إلى صناديق الاقتراع فاسد, ومن يذهب ولا يحتكم إلى ضميره والى المصلحة العامة, عند الإدلاء بصوته شاهد زور وفاسد.


كثيرة هي ألوان الفساد التي نمارسها جميعاً, في حياتنا اليومية. ثم ندعي اننا نحارب الفساد, ونشتم الفاسدين الكبار. رغم ان جريمة الفساد واحدة, كبرت هذه الجريمة أم صغرت. فالعصا من العصية. ومستعظم النار من مستصغر الشرر. فالموظف الصغير الذي يؤجل إنهاء المعاملات للمراجعين فاسد, مثلما مديره الذي لا يتابعه ليحاسبه على تقصيره. والموظف الذي يغادر مكتبه أثناء ساعات العمل الرسمي فاسد, لأنه لا يؤدي أمانة العمل الذي يتقاضى عليه أجراً, قلَّ هذا الأجر أم كثر. والمواطن الذي يتهرب من الضريبة أو الجمرك أو يسرق المياه أو الكهرباء من خطوطها لص وفاسد.


ومن أوجه الفساد التي نمارسها جميعا, الميل إلى الترف والبذخ والوجاهة. سواء في جاهات أعراسنا, أو في إنفاقنا على الكماليات من هواتف نقالة أو سيارات فارهة, أو أثاث باذخ. فكل هذه عبء على الميزانية العامة للبلاد, وهدر لطاقاتها نمارسه بنسب متفاوتة, لكننا جميعا شركاء في اقتراف جرمه. تماما مثلما نمارس جميعا النفاق, ونحن نصفق للفساد طالما كان الفاسد في موقع المسؤولية, الذي يمكنه من الفساد. حتى إذا خرج من الموقع قلبنا له ظهر المجن. بل لعلَّ النفاق من أكبر أسباب الفساد في بلادنا, خاصة عندما نستخدمه للتغطية على المنافق, أو لاغتيال الشخصية بدون مبرر, أو دليل لنساوي بين الفاسد والمستقيم. وفي هذا الإطار تدخل الإشاعة كمظهر من مظاهر الفساد, وحماية الفاسدين. فكل من يروج قولاً بلا دليل فاسد آثم. ليس بحكم العرف والقانون, بل بمنطوق السماء. لأن ذلك يدخل في باب القذف, وفي باب ظن السوء المنهي عنهما شرعاً. مثلما يأثم كل من يمتلك معلومة عن فاسد ثم يكتمها, لأن في ذلك كتمان لشهادة حق وامتناع عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.


وعند الحديث عن اغتيال الشخصية, كلون من ألوان الفساد والتعتيم على الفاسدين, يبرز الحديث عن الإعلام. فالإعلامي الذي يميل حيث تميل الريح ليس فاسداً فحسب, لكنه ناقل وناشر وحام للفساد. ومثله الإعلامي الذي يبيع موقفه أو معلوماته بالمال, أو الذي يسخر أدواته لكيل المديح لمن لا يستحقه, أو لابتزاز هذه الجهة أو تلك.


ولأن الفساد صار في بلدنا ثقافة تتجسد سلوكاً, فقد صار من الواجب مكافحته بالوقاية منه أولاً. وهذا يعني نشر ثقافة العفاف وثقافة الطهر, وثقافة الصدق مع النفس, وثقافة احترام المال العام, وثقافة محاسبة النفس. وأول ذلك أن نقول \"كلنا ذلك الفاسد\" لنحاسب أنفسنا لا كما نفعل الآن ونحن نصرخ \"كلكم ذلك الفاسد\". أو عندما نهتف ضد الحكومة, حتى إذا ما أرادت محاسبة فاسد قمنا عليها, لأنه ابن عشيرتنا أو منطقتنا, أو بحجة البحث عن حيتان الفساد, وكأن معيار الفساد بالكيلو والقنطار.





تابعونا على صفحتنا على الفيسبوك , وكالة زاد الاردن الاخبارية

التعليقات حالياً متوقفة من الموقع