معتصم مفلح القضاة
تعجز الكلمات وتسودُّ الصحائف عند وصف ما يجري على أرض الشقيقة سوريا، ابنة يوسف العظمة وشقيقة الرجال الأوفياء لهذه الأمة.
سوريا اليوم تمتحن كما كانت قبل ثلاثة عقود، ولكنها اليوم في محنة أشد وأبلى، وإن كان البلاء السابق خص فئة من أهلها فإنه اليوم يعم الجميع ولا يكاد يخلو حي من تبعاته، بل لا يكاد يخلو بيت من نبضات الخوف التي خلفتها الأيام الماضية، كما لا يخلو من نظرات الحسرة والألم على ما تحمله الأيام في مستقبلها.
بدأت الأحداث في درعا، لتعم أرجاء القطر السوري من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، يلحق بركب الأحرار من ارتضى لنفسه أن يكون حراً. ويتخلف عن هذا الركب من لا عذر له.
إذ كيف يُعْذَرُ من رأى أخاه بين براثن وحوش البشر، وغض طرفه يميناً أو شمالاً كأن لم يرَ شيئاً.
وكيف يُعْذَرُ من تخلى عن أخته وهي تعاني ما تعانيه إذ وقعت بين شِرار القوم حقداً وقسوةً وظلماً، وغطى على عينيه غطاء الذل المعبق برائحة النَتَن.
كيف يُعْذَرُ من ترك أهله في ثمانينات القرن المنصرم في محنةٍ عمّت شيوخ وأطفال ونالت نساء ورجال، ولم يُنْجِد صرخاتهم، وبأي عذر سيعتذر هذه المرة؟! وأي حجة سيقدم لهم؟! وأي شهادة للتاريخ سيعطي؟! بل وبأي وجهٍ سيقابل المستقبل الذي بات يشكل ملامح الحرية في سائر أرجاء الوطن السوري الأصيل.
يا شام، إن أبت المروءة إلا أن تقدم الأعذار فاعلمي أن عذركِ غير مقبول، وأن تفسيرنا لا يعدو أن يكون إحدى السُفْلَيين ( خوفاً ) وليس رجلاً من يخشى الضوء والنور، أو ( ذلاً ) وليس حراً من يرتضي الذل في دنيا الأحرار.
يا شام، أين غيرة أبي العز عما يحدث لحرائر سوريا؟!، وأين حكمة أبي عصام عما يسوسه أرباب السياسة؟! بل وأين نخوة أبي شهاب وشرار الغضب في عينيه على ما يسفك من دماء بريئة هنا وهناك؟! وأين أنتم يا أهل الحارة الفيحاء؟!
يا شام، أغلقي باب حارتكِ فليست الحرية مسلسلاً دماؤه صبغات ملونة، ولا حرباً رصاصها فارغ، إنما الحرية تضحية نخب القوم وأحرارهم أملاً بكرامة لمستقبل الأجيال.
يا شام، الحقي بالركب قبل أن توصَمَ جباهُ المتخاذلين بذل الخوف ، فلا يزيلها دهر ولا عمر، ولا يقبل فيها عذرٌ ولا تقبل فيها معذرة.
* هذه الرسالة إلى أهل الشام ( دمشق) الغراء حباً لهم وتقديراً لتاريخهم العريق.