عندما ..

عندما تلبس الرذائل ثوب الفضيلة وتعتمر عمامتها, وعندما يصبح كل دعيٍّ داعية, يدعونا للجهاد ويتخلف عنه, وعندما يتصوف المجون ويصبح تحزّم المرَقَة وهز الوسط ثقافة وفكرا وفنا, وعندما تنظّرّ الذئاب بالوفاء والمثالية, وعندما يمتشق الجبناء سيوف الخشب المطلية بالهزيمة والإنهزامية, لتشع إقداما وبطولات, فوق خيل لا تشبه الخيل وسروج لا ترتضيها البغال, وعندما ينزل عن أحدٍ رماة أحد, من أجل متاع او متعة, ليكرّ عليهم خالد بالهزيمة المنكرة, وعندما يصبح الحق مكرمة وحذاء المسكين وطالب العلم حصان حاتم الطائي, وكل الفسدة والطحالب المتسلقة حصان طروادة, المتخم بالغدر ومفاتيح الأسوار, وعندما يلد الكلب كلبا لا يليق بنباحه غير سفارة أو قنصلية, ويورث حملة المباخر وحفظة الأدعية والأوراد, مخانيثهم, أعنة الوطن ومقاليد أموره, لا يفصلهم عنها الا القطنة وحفنة التراب, يتغذون على عظامنا الهشة وأنخعة رؤوسنا المثقلة بالهموم والتسحيج, وعندما تصبح اللغات مؤهلا لقيادة الأوطان وتمثيل المساكين, وعندما ينوب عنا من يفصل لنفسه القوانين ويقيف الدستور على مقاس الأبناء والمحاسيب خارج حسابات الزمن وأنظمة الخدمة المدنية, وعندما يقتحم الزنادقة المترعين بخمر الشبع وتخمة بيض السلمون وشرائحه المدخنة, علينا الكرامة والخصوصية, ليطلقون النشيد المستهلك البذيء إياه: شدوا الحزام وجوعوا للوطن والضيوف, وعندما يصبح الدين لحية وثوبا وأدعية مكرورة لا يفهمها أصحابها, ومطية للغنائم والسبايا في سباق محموم على الدنيا دون الآخرة, وعندما يحضنا الكاذب على الصدق والمخادع السارق على الوفاء والأمانة وقطط شباط على العفة وحفظ الفرج وعناوين النذالة والسقوط على الشرف والكرامة, وعندما نجرد حاميها الخائف علينا من سلاحه خوفا منه, ونعطي حراميها المضحي بنا كل ما يريد, خوفا منه أيضا وتزلفا, وعندما تجوع مشاريع الشهادة السادة, ويمنحون قبل نطقها بدقائق او بعدها بقرون, حمراء او زرقاء يتيمة فيصلون صلاة الشكر والعرفان, في حين يتداول العبيد والإماء والحواة ورقصة الحبال المتزحلقين على صابون الفسق والفجور, القصور والعطايا والمناصب التي لا يملؤون حتى أطرافها, وعندما نثخن الفضاء باجترار المواويل وسخيف الغناء والدحية الصفراء لمساكين الوطن وحماة حدوده وسلامته, ونزرع صدورهم بالنياشين والأوسمة وكتب التقدير التي لا تشبع طفلا ولا تعالج مريضا او تمحو أمية تلميذ خاوي المعدة مصطكا من برد, في حين يتبغدد من لا يستحق بجنة الوطن طولا وعرضا وبخيراته نهبا وسلبا وتبذيرا, وعندما تمتد يد جائع لطابع بريد او بيضة دجاجة أرملة, نقطعها ونقيم عليها الحد, ونغلب الرحمة على القانون عندما يسرق السفيه ابن السفيه, او نعجز عن سحبه الى منصة القضاء وعدالة الموازين, وعندما نستبدل قصدا سنابل القمح بخوازيق الأبراج ونخرج بذلك على نصيحة صادق أمين حرّ, علم الوطنية وحاضر بالخلق, رحمك الله يا وصفي, وعندما يصبح خوفنا على الوطن لاجما لمبادرات التعبير عن ذلك, ومصفدا لسواعد الأداء وقدرات الدفاع عنه, وعندما يصبح المتملق والخنوع ومسح الجوخ, مقايسا للعطاء وموازين حسنات وجودة تؤهل لرغد العيش والتكريم, وعندما يصبح ألف نهر للأردن لا يساوون قطرة من نهر الشريعة, ومئات المبادرات المكلفة لا تساوي حبرها على ورقها, وعندما...وعندما...وعندما... فإن هناك ثمة خلل يحتم قرع نواقيس الخطر وتعليق الأجراس.
جمال الدويري