تعتبر لعبة "السلم والثعبان"، جزءا من ذاكرة الطفولة، كونها الأكثر شيوعا بين الألعاب ، لرخصها وسهولة نقلها وصغر حجمها ، فهي عبارة عن كرتونه أو ورقة تحوي رسما توضيحيا،يساعد في أداء اللعبة المكونة من مربعات فارغة ، يتخللها مربعات بعضها يوجد فيها سلم ، والأخرى فيها ثعبان.
ما يميز هذه اللعبة ، أنها تبدأ برمي حجر النرد،الذي يحدد لك عدد المربعات التي عليك أن تحركها ،فإما أن يقودك الحظ إلى الفوز،إذا صادفك السلم الذي سيوصلك إلى القمة ، أو يقودك الحظ السيء إلى الخسارة والعودة إلى نقطة البداية إذا ما واجهك الثعبان.
بالتأكيد عدتم بذاكرتكم إلى أيام الطفولة ، وما حملته من تفاصيل لذكريات جميلة،يتم فيها اقتطاع جزء من المصروف لتوفير ثمن هذه اللعبة حال تلفها أو ضياعها ، أو احتجازها من قبل إدارة المدرسة ، عند التعرض لمخالفة إحضارها إلى غرفة الصف .
دعونا نعود إلى أهداف تلك اللعبة ، والقيم التي تضيفها إلى ممارسها ، وهي انتظار الحظ الذي سيلعب دوره في ايصالك إلى الأعلى إذا ما صادفك السلم ، أو أن سوء الحظ الذي يعيدك الى نقطة البداية لمجرد وقوعك فريسة لذلك الثعبان.
لم يتوقف " السلم والثعبان " عند اللعبة ، بل كلنا يذكر تلك الحكاية التي كانت تروى لنا في صغرنا عن ذلك السلم الذهبي ، الذي أوله في الأرض وآخره في السحاب ! والمعروف ب: "سلم المجد"، يحرسه ثعبان ضخم، انيابه الزرقاء، أحدُ من السيف، وسمه قاتل ، يلف جسده حول السلم ويقضي على مَن يحاول الصعود اليه !
من الواضح أن تكرار ممارستنا للعبة " السلم والثعبان " ، وسماعنا لرواية "سلم المجد الذهبي " في طفولتنا ، أثرتا فينا بطريقة جعلت البعض منا يخاف من الثعبان لدرجة أنه يستشعر سُمه يسري في عروقه ، وجعلت البعض الآخر يبحث عن ذلك السلم الذهبي ، ومن يسيطر عليه لضمان الوصول إلى ما يصبو إليه دون تعب .
لو اسقطنا طريقة وأهداف اللعبة وتلك الرواية على واقعنا الوظيفي، سنجدها مطابقة، من حيث سلم الشللية الذي سيرفعك لمكان ليس لك ولا تستحقه ، وتنتزع فيه حقوق الآخرين ، وإما أن يكون نصيبك ذلك الثعبان الذي يرعى الواسطة والمحسوبية ومصالح المتسلقين ، ويبقيك في الخلف ، ويمنع تطورك الوظيفي .
بعد كل تشكيلة حكومية جديدة ، وما يتبعها من حركة تنقلات وتقاعدات وتعيينات ، نرقب ما ستكشفه لنا عن أصحاب السلم، الذين وصلوا إلى مراكز النفوذ، بمعاونة الثعابين، الذين يبخون سمهم في وجه كل من يقف أمام وصول الأعوان ، خاصة هؤلاء أصحاب الكفاءات والمؤهلات غير المدعومة بالواسطة والمحسوبية .
وفي قراءة سريعة للعديد من التعيينات، التي نشهدها بين وقت وأخر،وتغيب عنها الأحقية والكفاءات، نجد أن الكثير منها يستخدم السلم الذهبي ، عن طريق مصاحبة الثعابين التي تحمي مصالحها ليس حبا بها ، بل لتحقيق أهدافها وحماية أعوانها ونفوذها .
وحتى لا نبقى نعيش في لعبة كبيرة ، رقعتها دوائرنا ومؤسساتنا الحكومية وشبه الحكومية ، يقضي الموظف وقته في البحث عن ذلك السلم، الذي سيوصله إلى المجد على حساب تطوير وتنمية القدرات ، ويسعى المسؤول إلى نشر ثعابينه في كل مكان، ولنبدد الخوف الذي بداخلنا من الثعبان ، وننتهي من أسر تلك الرواية حول سلم المجد الذهبي الوهمية ، دعونا نلعب على أرض الواقع ، ونتخلص من النرد الذي سيحدد مصيرنا ، ونفتك بالثعابين ، ولا ننتظر السلم ، حتى لا نعطل مسيرة بلدنا .